على جمال الدين محمد من الأمور التي أري أنها علي جانب كبير من الأهمية تلك المصطلحات الخاطئة التي يتداولها المتحدثون والكتاب في أجهزة الإعلام سواء المرئية منها أو المقروءة، فنجد مصطلح «الإسلاميون» و«التيار الإسلامي»، ويقصد بها تلك الجماعات التي تريد أن تصل إلي الحكم بشعارات دينية. ومن المعروف أن الأمية تصل إلي نصف تعداد السكان في مصر أو تزيد، وبالتالي فإن الغالب الأعم من الناس لا يعرفون حقيقة الكثير من القضايا والمصطلحات المتداولة، وقد اتضح ذلك جلياً فيما حدث في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، وكيف تم تضليل الناس بإقحام الدين فيما لا شأن له به حينما أوهموا الناس بأن «نعم» تعني الإسلام ولا «ضد» الإسلام. فإذا ما استمع أو قرأ هؤلاء العامة والبسطاء لمن ينتقد ويدحض مزاعم المتاجرين بالدين ويصفهم في نفس الوقت بالإسلاميين أو التيار الإسلامي فإنهم بلا تردد سوف ينحازون لمن يوصفون بالإسلاميين أو التيار الإسلامي، وسوف يظنون بلا وعي أن من يخالفهم هو ضد الإسلام وأنه خارج علي الدين، ويصل الأمر في كثير من الأحوال إلي التكفير والتخوين والإقصاء. وأحسب أن التوصيف الخاطئ للمتاجرين بالدين وتسميتهم بالإسلاميين من الأسباب الرئيسية لتلك الحشود التي رأيناها في الجمعة الماضية «29/7/2011» والتي تنذر بفتنة عظيمة نسأل الله تعالي منها النجاة. لذلك أجد لزاما علينا أن نصحح تلك المصطلحات وأن نراعي مستوي تعليم ووعي وثقافة القارئ أو المستمع، ولا نركن إلي ما يعرفه المثقفون عن حقيقة تلك المصطلحات، فما هو معلوم بالضرورة للنخبة من المثقفين، ربما يكون مجهولاً بل ومضللاً بالضرورة أيضاً لغيرهم من العامة والبسطاء. وللأسف الشديد نجد أن الكثير من الذين يتصدرون المشاهد في أجهزة الإعلام يظنون أن العلمانية هي الملجأ والنجاة من هؤلاء المتاجرين بالدين لأنها تفصل بين الأمور الدينية والدنيوية، وتحمي المجتمع ممن يدعون أنهم يحكمون باسم الإسلام فلا يجرؤ أحد علي نقدهم أو معارضتهم، وأن الليبرالية تعني حرية الفكر والاعتقاد، وغاب عن هؤلاء أن الإسلام قد سبق تلك النظم الوضعية بأكثر من ألف عام في الفصل الجلي الواضح بين الأمور الدينية والدنيوية، وكذلك في التأكيد علي حرية الفكر والاعتقاد في الكثير من آيات القرآن الكريم. لذلك أري عدم احتياجنا إلي العلمانية ولا الليبرالية التي أصبحت وللأسف من المصطلحات التي توحي للعامة بأن من يؤمن بها يخالف ويعادي الإسلام، وذلك علي الرغم من أن تلك النظم من الأسباب الرئيسية التي أدت إلي التقدم العلمي لدول ما يسمي بالعالم الأول، مع الإقرار بأن ما وصلوا إليه من علوم حديثة لا غني لنا عنها في سائر شئوننا وأحوالنا. ونقتبس بعض الأمثلة التي تبين لنا حقيقة الإسلام في الفصل الواضح بين الأمور الدينية والدنيوية، بلا تفريط ولا إفراط، وبلا متاجرة ولا إقصاء: 1- أفرد الإمام مسلم في صحيحه باباً في كتاب الفضائل تحت عنوان: وجوب امتثال ما قاله «صلي الله عليه وسلم» شرعاً دون ما ذكره من معايش الدنيا علي سبيل الرأي، أورد فيه حديثاً من رواية رافع بن خديج «رضي الله عنه»، يذكر فيه أن رسول الله «صلي الله عليه وسلم» لما رأي الصحابة في المدينة يأبرون النخل - بمعني يلقحونه - قال لهم: «لو تركتموه»، بمعني أنه لا داعي من تلقيح النخل، فلما عملوا برأيه فسد المحصول، ولما عرضوه عليه، قال «صلي الله عليه وسلم» قولته المشهورة: «أنتم أعلم بأمور دنياكم». 2- أخرج الإمام مسلم أيضاً في صحيحه - كتاب الإمارة - باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها - أن أبا ذر الغفاري «رضي الله عنه» سأل رسول الله «صلي الله عليه وسلم» أن يكلفه بإمارة فقال: «ألا تستعملني»، فقال له رسول الله «صلي الله عليه وسلم»: «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدي الذي عليه فيها». وعلي خلاف ذلك نجد أن النبي «صلي الله عليه وسلم» يستأجر عبدالله بن أريقط وهو مشرك ليكون دليلاً له في هجرته «صلي الله عليه وسلم» من مكة إلي المدينة. 3- في غزوة بدر الكبري اختار رسول الله «صلي الله عليه وسلم» منزلاً للجيش فجاءه الحباب بن المنذر «رضي الله عنه» يقول: «يارسول الله أمنزل أنزلك الله إياه فلا نتقدم عنه أو نتأخر، أم الرأي والحرب والمكيدة»، فقال له «صلي الله عليه وسلم» «بل الرأي والحرب والمكيدة»، قال الحباب «فإن هذا ليس بمنزل يارسول الله»، وأشار إليه بمكان آخر فأخذ «صلي الله عليه وسلم» برأي الحباب. 4- في غزوة أحد شاور النبي «صلي الله عليه وسلم» الصحابة «رضي الله عنهم»، فكان هناك رأيان، رأي يري استدراج المشركين لقتالهم بطرق وأزقة المدينة ورأي يري الخروج لقتالهم، وكان النبي صلي الله عليه وسلم يري الرأي الأول بيد أن من لم يقاتل في غزوة بدر تحمسوا للخروج وساندهم شباب الصحابة فكانوا هم الأغلبية فنزل رسول الله «صلي الله عليه وسلم» علي رأيهم علي الرغم من أنه يخالف رأيه «صلي الله عليه وسلم». 5- في غزوة الخندق أو الأحزاب أخذ رسول الله «صلي الله عليه وسلم» برأي سليمان الفارسي «رضي الله عنه» وحفر الخندق ليدفع ويرد به المشركين عن المدينة. وقد استند علماء أصول الفقه منذ القدم إلي الأمثلة التي ذكرناها وغيرها في أن السنة النبوية التي تعد المصدر الثاني للتشريع هي السنة التي قصد بها التشريع، أما غير ذلك من عاداته «صلي الله عليه وسلم» وتجاربه وعادات قومه وتجاربهم التي أخذ بها «صلي الله عليه وسلم» فلا يقصد بها التشريع ولا نؤمر بالأخذ أو الالتزام بها فهي ليست من الدين في شيء وإنما هي من الأمور الدنيوية. «راجع كتب أصول الفقه للأستاذ عبدالوهاب خلاف، والأستاذ علي حسب الله - أستاذي الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، والدكتور عبدالمجيد مطلوب - رئيس قسم الشريعة الإسلامية بجامعة عين شمس - رحمة الله عليهم جميعاً». من الأمثلة التي ذكرناها يتضح لنا حقيقة الإسلام في الفصل الواضح بين ما هو ديني وما هو دنيوي، لكن الغريب والعجيب أن من يخلط بين الأمرين ليغتنم الحكم والمناصب باسم الدين نسميه «إسلامي»!!، ثم نتعجب بعد ذلك من الحشود الهائلة التي تسير خلف تلك التيارات المتاجرة بالدين بدلاً من أن نراجع تلك المصطلحات المضللة لعامة الناس وبسطائهم ونتحدث بخطاب واضح لعامة الناس يبين لهم أن تلك الفرق والجماعات هي أبعد ما تكون عن حقيقة ديننا الإسلامي الحنيف وأن التستر بالدين والمتاجرة به للوصول إلي أغراض دنيوية هو أكبر إساءة للإسلام. لقد أصبح الأمر جد خطير وينذر بعواقب وخيمة، لذلك أري أنه يجب علي أجهزة الإعلام والقائمين عليها أن يتبنوا الدعوة إلي ندوات وحوارات متتالية ومتواصلة تبين لعامة الناس حقيقة الإسلام الصحيح، وأن المسلم الحق الصادق مع ربه سبحانه وتعالي هو من ينزه ويعلي ويصون دينه الحنيف عن المتاجرة به للوصول إلي مغانم دنيوية، أما المتاجرون بالدين المتجرئون عليه المتلاعبون بآيات الله عز وجل فهم أبعد ما يكونون عن أن يوصفوا بالإسلاميين أو التيار الإسلامي. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. إمام وخطيب بوزارة الأوقاف