إيلون ماسك يؤيد منشورا فى منصة إكس يطالب بعزل ترامب    الرئيس اللبناني يدين العدوان الإسرائيلي على محيط العاصمة بيروت    9 أهداف| إسبانيا إلى نهائي دوري الأمم الأوروبية على حساب فرنسا    رسميًا.. موعد صلاة العيد الكبير 2025 في جميع المحافظات    أستاذ تمويل: المنصة الإلكترونية لتراخيص الاستثمار مهمة لتعزيز بيئة الأعمال    «الشهر العقاري» تعلن تقديم خدماتها للجمهور خلال إجازة عيد الأضحى    رئيس الوزراء يهنئ شعب مصر والأمتين العربية والإسلامية بعيد الأضحى    شيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي والأمة الإسلامية بمناسبة عيد الأضحى    أول زيارة للمستشار الألماني للولايات المتحدة    زلزال بجنوب إيطاليا يتسبب في انهيار جزئي بموقع بومبي الأثري    الهلال يُغري نابولي بعرض خيالي لضم أوسيمين    مدحت بركات: زيارة الرئيس السيسي للإمارات تعكس التزام مصر بالتعاون العربي    المهيرى: اتفاقية للحفاظ على حقوق العاملين ب «اقتصاد المنصات»    مباشر مباراة إسبانيا ضد فرنسا في نصف نهائي دوري الأمم الأوروبية    «كل إناء ينضح بما فيه».. تعليق ناري من زوجة الخطيب على «سب» هاني شكري جماهير الأهلي    غرفة ملابس الزمالك قبل مواجهة بيراميدز في نهائي كأس مصر (صور)    نموذج للأمانة.. مأمور جمرك بمطار القاهرة يُسلم مبلغًا ماليًا كبيرًا لراكبة مصرية    قرار هام بشأن أسئلة امتحانات الثانوية الأزهرية في مطروح (تفاصيل)    بروتوكول تعاون بين «التضامن» و«التعليم العالي» ضمن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات    أحمد السقا من جبل عرفات: إحنا مصطفين السنة دي من ربنا    ورش وعروض فنية في احتفال ثقافة المنيا بعيد الأضحى    مخرجة «ريستارت» عن انتقادات مشهد ارتداء تامر حسني ملابس داخلية: أشكره على جرأته    خبير ب"الشئون الآسيوية" يكشف الأهداف الأمريكية الحقيقة من دعم الهند.. فيديو    مياه المنوفية: استمرار شحن عدادات المياه مسبقة الدفع خلال عيد الأضحى    صلاة العيد يوم الجمعة الساعة كام في مصر؟ رسميًا بالتوقيت المحلي    استهتار غير مسبوق    نصائح لإعداد المعدة، كيف نستقبل أكلات العيد دون مشكلات صحية؟    في العيد.. طريقة عمل لحمة الرأس بخطوات سهلة وطعم مميز    استشاري تغذية يحذّر من الإفراط في تناول اللحمة خلال عيد الأضحى- فيديو    وزير الخارجية الألماني يجدد مطالبته لإسرائيل بالسماح بدخول المساعدات إلى غزة    " صوت الأمة " تنشر أهم التوصيات الصادرة عن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية    إعلام إسرائيلى: مقتل جندى إسرائيلى متأثرا بجروح خطيرة أصيب بها فى غزة قبل 8 أشهر    المجمع المقدس يؤكد على الرعاية المتكاملة ويُطلق توصيات جديدة للرعاية والخدمة والأسرة    "لو لينا عمر" أغنية لآمال ماهر بتوقيع الملحن محمدي في أول عمل يجمعهما    نادي قطر يُعلن نهاية إعارة أحمد عبد القادر وعودته للأهلي    خلال اتصاله بنظيره الرواندي.. وزير الخارجية يشدد على أهمية تحقيق التهدئة في منطقة البحيرات العظمى    قصف إسرائيلي يستهدف أطراف بلدة الوزاني وحرج بلدة يارون جنوبي لبنان    في إجازة عيد الأضحى.. حدود السحب والإيداع القصوى من ماكينات ATM    «الجيل»: ما يدور عن «القائمة الوطنية بانتخابات الشيوخ تكهنات تثير لغط»    الزمالك يشترط الفوز بالكأس للموافقة على استمرار شيكابالا.. فيديو    رومانو: لاعب ميلان يخضع للكشف الطبي مع مانشستر سيتي يوم الأحد    يوم الرحمة.. كيف تستغل يوم عرفة أفضل استغلال؟    تنبيه بخصوص تنظيم صفوف الصلاة في مصلى العيد    تشيفو يقترب من قيادة إنتر ميلان بعد تعثر مفاوضات فابريغاس    في شكوى مها الصغير.. الأعلى للإعلام يستدعي ممثلين المواقع والوسائل الإعلامية المشكو في حقها    المسرح النسوي بين النظرية والتطبيق في العدد الجديد لجريدة مسرحنا    تقديم الخدمة الطبية ل1864 مواطنًا ضمن قافلة علاجية بعزبة عبد الرحيم بكفر البطيخ    3 أبراج تهرب من الحب.. هل أنت منهم؟    توريد 173ألف و821 طن قمح إلى الشون والصوامع بسوهاج    الصحة: فحص 17.8 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض المزمنة    بالفيديو.. "نصائح لازم تاخد بالك منها وأنت بتشتري الأضحية"    أجمل صور يوم عرفة.. لحظات تتجاوز الزمان والمكان    21 ألف جنيه تراجعًا بأسعار "باجاج كيوت" أرخص مركبة جديدة بمصر.. التفاصيل    قبل عيد الأضحى.. حملات تموينية بأسوان تسفر عن ضبط 156 مخالفة    مصرع عامل في حادث انقلاب دراجة نارية بالمنيا    تكثيف الحملات التموينية المفاجئة على الأسواق والمخابز بأسوان    مسجد نمرة يستعد ل"خطبة عرفة"    تحويلات مرورية أمام فندق راديسون بالطريق الدولي بعد تصادم مروع لسيارتين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استثمار الأشباح
نشر في الأيام المصرية يوم 01 - 06 - 2013

« ليس بعد التجمع عدو». هكذا كان منطق الثورة وثوارها في ديسمبر 2010 وفي جانفي 2011. وحتى بعد مضي أشهر من هروب بن علي، كان الشعب يدرك عدوه ويدرك كيف يمكن التخلص منه، إلى أن تم تنصيب الباجي قائد السبسي على رأس دولة تونس الثورة وانطلقت الثورة المضادة وبدأ منذ ذلك الحين مسار اعتراض الثورة الأولى في الصحوة التاريخية للمسلمين.
وبقدر ما كانت مهمة الباجي قائد السبسي صعبة بقدر ما كان دفع النهضة، التي انتهجت فقه الاستضعاف الذي يجيده رئيسها، سهلا إلى إرجاع قوى الثورة المضادة وتنظيف زواياها الملوثة بدماء وأحزان تيار الإخوان المسلمين قبل غيره من أفراد الشعب التونسي.
حركة النهضة التي بادر رئيسها مؤخرا إلى نعت أشباح الشعانبي بالبغاة وهو يجهل مَنْ هم أصلا، كانت تدرك أنه من الصعب الوقوف في وجه آلة الدعاية الرهيبة التي يقف وراءها أباطرة النظام القديم، لكنها عوض البحث عن حلول جذرية تليق بحركة إسلامية حازت تقريبا على 60 % من أصوات التونسيين سارعت إلى تبني كل أطروحات الثورة المضادة، بل أصبحت طرفا في إنتاج أطروحات لا علاقة لها بالثورة ولا بالحركة الإسلامية.
أشباح الشعانبي
لا بد من القول إن قصة أحداث الشعانبي، ككل قصص الخيال العلمي، لا بد لها من سذج حتى يصدقوا تفاصيلها المملة والركيكة والمثيرة للشفقة على سياسة الإفلاس التي أصابت المنقلبين على الثورات العربية؛ فالروايات الرسمية متضاربة إحداها تفترض وجود سلفيين منذ أشهر يريدون الانقلاب على نظام الحكم وهم مسلحون وعندما صعد الجيش إلى الجبل وقعت إصابات في صفوفه بسبب ألغام زرعت. لكن قبل التشكيك في الألغام يجب طرح عدة أسئلة: هل يوجد دولة تحترم نفسها في العالم تقول إنها بقيت عدة أشهر على علم بوجود مسلحين في الجبال دون أن تكلف نفسها عناء البحث عنهم؟ الإجابة المفترضة، وهي على الأغلب الصحيحة، تقول بأن قوات الأمن صعدت إلى الجبال وبحثت لكنها لم تجد شيئا. إذن من أين جاءت الألغام؟
الإجابة أيضا قالها أحد عناصر الأمن في تقرير إخباري على القناة الأولى الرسمية حين أكد « أن لغما انفجر في مكان وقع تمشيطه سابقا»!! يعني أن أحدا زرع الألغام حديثا بعد مرور أعوان الأمن. ومن المستحيل أن يكون هذا الذي زرع الألغام شبحا؛ فالجبل محاصر ولا وجود لغير قوات الأمن والجيش هناك. فمن هو الذي زرع هذه الألغام إذن؟ الإجابة من الأكيد أنها لدى أحد جهازي المخابرات التونسي أو الجزائري.
والغريب أيضا في أحداث الشعانبي أن السلطة قبضت على مجموعة من المشتبه بهم لم تطأ أرجلهم الجبل أصلا بحسب الرواية الرسمية .. فأين هم المسلحون إذن وإذن؟
ومن الغريب في أحداث الشعانبي أيضا أن الجيش والشرطة طوقا المكان وحاصروا المجموعة وتم إعلان إحكام القبضة الأمنية وفجأة لا وجود لمسلحين؛ والأغرب أنه عندما تم الكشف عن المجموعة المزعومة منذ أشهر تم استثمار الحدث في عديد المرات؛ فما أن يتأزم الوضع السياسي في البلاد إلا ويتم الإعلان عن عودة المجموعة. فعند أزمة الحكومة مع النقابات تم الإعلان عن وجود هذه المجموعة .. وعند أزمة الحوار السياسي مع الأحزاب تمت إعادة اكتشاف نفس المجموعة من جديد وسط المدينة وليس في الجبال؛ فأصبح السلفيون يتمنون القبض على هذه المجموعة قبل غيرهم حتى ينتهي المسلسل، لكنه للأسف لم ينته بعد. فالأشباح انتقلت إلى جبل السلوم لينتهي مسلسل الشعانبي ويبدأ مسلسل جديد؟؟؟
وفي الحقيقة يؤكد المتابعون للشأن السلفي إنه في صورة وجود مجموعة فعلا مرت منذ أشهر من مرتفعات تونس على الحدود مع الجزائر فإنها لا تعدو أن تكون خلايا تجنيد تابعة للمقاومة المالية ضد التدخل الفرنسي ولا علاقة لها بتونس ووضعها الداخلي. والنظام التونسي يدرك ذلك لكنه يتجاهل الحقيقة ليستثمرها في مواطن أخرى.
استثمار أمني
في المحصلة؛ لا بد من التأكيد على أن أحداث الشعانبي مهمة جدا في معادلة إعادة ركائز الثورة المضادة، لأن المكان الذي حصلت فيه رمزي إلى أبعد الحدود، إذ أن ولاية القصرين هي الولاية التي سقط فيها أكبر عدد من الشهداء خلال الثورة على أيادي قوات الأمن الذين كانوا حسب الشهادات يقتلون بنشوة، لذلك مثلت أحداث انفجار الألغام في وجوه بعضهم بالجبل مؤخرا فرصة للتباكي ولعب دور الضحية، وهو ما أتقنه الناطق الرسمي باسم نقابات الأمن في إحدى الحصص الإذاعية حين بدأ بالبكاء على الهواء لاستعطاف الرأي العام.
هذه الأحداث أيضا مثلت فرصة لمحاولة زرع فكرة جديدة في أذهان مواطني هذه الولاية بأن عدوهم ليس قوات الشرطة التي قتلت ما يقارب 250 شخصا منهم بدم بارد، بل عدوهم الذي تمت صناعته هذه المرة هو السلفية الجهادية التي تتربص بأمنهم. أما الثورة المضادة فتحاول رسم هذا الوعي في أذهان هؤلاء لأن النظام بعد الثورة فشل في إقناع الناس بأن الظروف تغيرت وأن ممارسات الشرطة تغيرت لذلك بقيت مناطق الزخم الثوري، خصوصا القصرين وسيدي بوزيد وتالة، متحفظة في علاقتها بالأمن، بل وفي علاقتها حتى بالنهضة. والجميع يذكر طرد أهالي تالة للشيخ الغنوشي خلال مراسم دفن المناضل الشيخ أحمد الرحموني.
جراح الثورة التي طالت المواطن من قوات الشرطة لم تندمل، وزاد في صعوبة نسيانها ممارسات عديدة مثل ضرب المواطنين برصاص الرش في منطقة سليانة منذ أشهر إلى جانب قمع المظاهرات السلفية بالرصاص الحي، وقَتْل 17 تونسيا إلى اليوم، زيادة على إهمال بعض المساجين السلفيين المضربين عن الطعام حتى ماتوا، جعل التونسيين يقتنعون بأن وضعية الأمن لم تبارح مكانها ولا تزال تنصب العداء لكل ما هو إسلامي، ومن هنا تحاول جميع القوى استثمار ما يحصل في جبال القصرين لتنظيف صورتها.
فالنقابات الأمنية سارعت إلى وسائل الإعلام تبكي جرحاها وتطالب بمزيد من القوانين التي تحميها وتعيد لها هيبتها؛ وفي الحقيقة يتخوف التونسيون من منح حصانة مفرطة لقوات الأمن مما قد يعيد ممارساتهم القديمة إلى الواجهة، حيث تجرع المواطن الويلات من تسلط هؤلاء باسم القانون، إذ كانوا لا يدفعون حتى أجرة سيارة الأجرة التي يركبونها. وأما عن اعتداءاتهم المجانية على كل من يروق لهم فحدث ولا حرج. هكذا ستغدو أحداث الشعانبي فرصة مناسبة لاستعادة هذا «المجد» الضائع.
استثمار قضائي
من ضمن المسائل التي كان الحقوقيون المعارضون للرئيس المخلوع بن علي مجمعين عليها هي الظلم الكبير الذي كان يتسبب فيه تطبيق قانون « الإرهاب»، وقد بدت الرغبة في إعادة العمل به جامحة في صفوف « الحكومة الإسلامية»، خصوصا بعد أحداث سفارة الولايات المتحدة في سبتمبر 2012، لولا المعارضة الشديدة التي لقيها من طرف بعض الحقوقيين الشرفاء. لكن أحداث الشعانبي تم استثمارها وتوظيفها جيدا لاستدعاء هذا القانون الذي سرعان ما تم تطبيقه ضد أحد المحامين الذين ينوبون شابا سلفيا بتهمة تعطيل البحث القضائي ليصبح كل تونسي مهددا بالسجن لأبسط الأسباب.
وفي حقيقة الأمر فإن قطاعا واسعا من العلمانيين يستفيد من هذا القانون، لكونه أسهل أداة للزج بأكبر عدد ممكن من السلفيين في السجون، إلى أن صار مطية لشرعنة عودة فرقة أمن الدولة التي تم حلها قانونيا على الأقل في وقت سابق؛ بل أن قطاعا واسعا من الإعلاميين والسياسيين، ممن كان من عملائه والمنتفعين منه ماديا ومعنويا، يدفع باتجاه عودة هذا الجهاز، بحسب ما كشفته تسريبات كثيرة بعد الثورة.
استثمار سياسي
أما الاستثمار السياسي؛ وتأهيل الطائفة الذي تحدثنا عنه سابقا في مقال تونس: الطائفة والشريعة، فيبقى الاستثمار الأبرز لأحداث الشعانبي. إذ أن أغلب الأصوات التي تندد بأحداث الشعانبي هي التي دعت صراحة إلى ما تسميه هي ب « الوحدة الوطنية» في وجه ما سمي ب «الإرهاب»، وهي ذات الأصوات التي تنعق ليل نهار بضرورة حوار حركة النهضة مع القوى « التجمعية» وكل قوى الثورة المضادة.
على الرغم من استثمار أحداث سابقة مثل الاعتداء على الفنانين العلمانيين، ثم استثمار أحداث السفارة الأمريكية ومن بعدها حوادث حرق الزوايا ... وغيرها، إلا أن هذه الحملات التي استهدفت توريط السلفيين، وكانت على غاية في التنظيم والتنسيق، لم تنجح في شرعنة التطبيع مع الثورة المضادة. ورغم رداءة إخراجها إلا أن هذه الأطراف نجحت من خلال أحداث الشعانبي في جعل حركة النهضة تجلس على طاولة الحوار مع من شرّد أمس أبناء الحركة قبل غيرهم من التونسيين الذين عانوا الويلات، ليستحيل بعد ذلك المشهد التونسي إلى هزلية كبيرة تجمع الجلاد بالضحية على أنقاض شعب ظن فعلا أن الثورة مكتملة النصاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.