فى مملكة النحل، وفى أسراب النمل ، وفى عالم الطيور والحيوانات يوجد كرسى السلطة تتصارع عليه الكائنات، وتختلف الأهداف ففى عالم الحيوان الكرسى للأقوى والأصلح ..دون تزوير أو مكائد أو صراع غير شريف وفى عالم الحشرات الكرسى للأكثر حكمة وقيادة كما فى عالم النحل دون صراع أما الصراع على الكرسى بين البشر فيحكمه حب السلطة المبنى على حب التملك، وله أبعاد سياسية ونفسية واقتصادية عندما قال اللورد" أكتون" مقولته الشهيرة "السلطة المطلقة ...مفسدة مطلقة" آمن بها الجميع، واقتنع بها السياسيون، ورددها الزعماء فى ادعاء بأنهم ليسوا من يسعوا للسلطة، ولكنها هى من تسعى إليهم ،فيلبون مضطرين بحجة حاجة الوطن لهم، أو لقلة ذوى القوة والعلم والأمانة فإذا ما تمكنوا منها انقلبوا على أعقابهم خاسرين .. وكانوا للكرسى عابدين فبذلوا الجهود وسخروا الإمكانيات.. حتى تكون تلك السلطة مطلقة فى أيديهم أتأمل أحياناً ذاك الصراع على السلطة ، والتكالب على المناصب، بما فيه من تلون للشخوص، وسقوط المبادئ، ونقض الوعود.. فلا ازداد إلا كرهاً لأى منصب قد يضطر فيه المرء يوماً ليبيع مبادئه، أو يتنازل عن قيمه يسقط يوما بعد يوما شخص كنت أتمنى أيظل موجودا ...ولو فى آخر قائمة الشرفاء فأجدنى أكرر قولة قيصر حين قال " حتى أنت يا بروتس" وأستدعى مشهد رحيله وهو يغطى وجهه بالملابس، ويتوقف عن مقاومة قاتليه، ويسقط مُدرجاً فى دمه...فلم يستطع أن يرى لوحة كريهة للخيانة يقودها أقرب الناس إليه تلك هى السلطة..التى قتلت القياصرة والحكام.. فقد ظل "أوغسطس" قيصر روما فى خيفةٍ من أن تقتله زوجته حتى قتلته بالفعل بوضع السم له فى ثمار كان يشتهيها بحديقته حتى تولى ابنها من زواج سابق لها الحكم فقُتل أيضا على يد حفيده ويتوالى مسلسل الخيانة والقتل وليقل أحدهم أن روما لم يحكمها مسلم يصلى.. ويحفظ القرآن..ويمشى فى الأسواق ولكن للأسف أن تاريخ الحكم الإسلامى يعُج بأكثر مما حدث فى روما ..وفى الغرب عموما قُتِل عمر قُتِل عثمان قُتل على قُتل الحسن قُتِل الحسين قُتِل المأمون فى عصرنا الحديث.. قُتل الملك فيصل بن عبد العزيز قُتل إبراهيم الحمدى رئيس اليمن قُتِل محمد بو ضياف رئيس الجزائر قُتِل الشيخ مجيب الرحمن رئيس بنجلاديش ومات عبد الناصر فى شبهة بقتله وقُتل السادات وغيرهم... أغلب الخلفاء والحكام انتهت حياتهم قتلا ب سُمٍ أو خنجرٍ من أجل الكرسى قتلت زوجة السلطان "مراد الثالث" وابنها "محمد الثالث" إخوته الثمانية عشر من أجل الكرسى قتلت "شجرة الدر" توران شاه" وقتلها ابن زوجها "عز الدين أيبك" يظل كأس السلطة المسموم يشربه الكل ولا أجد أكثر من تلك المفارقة حين قتل "بيبرس" "قطز"، ويحاول أن يقتل أحد الأمراء المماليك بالسم فتتبدل الكؤوس بخدعة من الأمير، فيشرب "بيبرس" كأس السلطة المسموم ومن القتل للفساد كان.... "عمر بونجو" ديناصور الجابون بعد أن ظل فى الحكم 42 فى فساد ونهب لأموال الدولة "سانى أباتشا" الذى نهب 27% من دخل نيجيريا "موبوتو" ديكتاتور زائير الذى أهدر ثلث دخل بلاده لإقامة مدينة داخل الغابات "بن على" الذى استولى وزوجته على ذهب تونس وفر هاربا "مبارك" الذى كان يقول أن الكفن ليس له جيوب فدفن مصر فى ديون فما بالنا بالسلطة المُطلقة؟؟ إن السلطة المطلقة ليست إلا وحشا كاسرا طليقا يقتل ويسرق مبررا أى شىء بدافع الأمن والحفاظ على استقرار الوطن باستقراره على الكرسى، وفى المقابل يكون للشعب رد فعل حتى مع نموذج الخلافة الذى يراه البعض فرضاً ... ولم يستمر راشداً لأكثر من ثلاثين عاما الصلاح لن يكون فى نظام حكم ولكن سيكون فى الحاكم خليفةً كان أو إمبراطور.. فقد رأينا ثورات على خلفاء كما حدث أثناء الدولة الأموية.. كما قرأنا استبداد الخلافة واتهامها للمعارضة بالزندقة كما حدث فى العصر العباسى.. وقرأنا عن خلفاء فاسدين بعد نزول "الحسين بن علىّ" عن الخلافة لصالح "معاوية" وقد وضع الشرع معايير هامة فى التفريق بين الحاكم الفاسد والخليفة الراشد أهمها التصرف فى الأموال العامة فمعيار النزاهة المالية كان أساسيا وواضحا فى التفريق بين الخليفة والحاكم فعن "عمر" رضى الله عنه حين سأل "سلمان" أملكٌ أنا أم خليفة؟ فقال له "سلمان": إن أنت جبيّت من أرض المسلمين درهما، أو أقل ثم وضعته فى غير حقه فأنت ملك غير خليفة...فبكى" الفاروق" أين هذا من الأموال التى تهدر، والتى تخصص لمؤسسة الرئاسة بغرض المنظرة، والتى توضع فى غير مكانها بينما يبات الجائعون منطويين على بطونهم أى شهوة تلك التى تقود صاحبها للهلاك؟ وأى غباء هذا الذى يدعوه للتشبث بها فلا يحيا إلا قاتلا، أو يرحل مقتولا...!! وأى حاكم هذا الذى يدعى أنه مختار من الله فيأمر بما نهى.. وينهى عما أمر!! ليس هذا إلا عبد الكرسى ...وليس هذا الكرسى إلا مقعده فى النار [email protected]