تعودنا في مصر أن «اخرس».. كلمة يقولها الكبير للصغير عندما يتفوَّه بكلمات نابية أو هابطة تنافي الأخلاق.. أو تقال من كبير في المقام ل«سوقي» أو «مهووس» يلقي الكلام على عواهنه.. لكن في زمن العجائب التي يشيب لها الولدان، قالها صغير في السن وفي المقام لرجال يكبرونه في العمرضعف عمره، ويكبرونه في المقام والفضل والسبق مسافات طويلة. لكن في الزمن الأغبر يجد الصغير نفسه على قمة «الهرم» أو على رأس «الأهرام» بقرار من مجلس الشورى؛ فيصوِّر له خياله أنه ينظر من أعلى القمة لبقية الناس على أنهم صغار أمامه، حتى ولو كان عالماً جليلاً تدوي كلماته ومواقفه في سمع الزمان، وينطق سِجِل التاريخ له بتاريخ طويل من الجهاد والكفاح، وتنطق مدرّجات الجامعات في كل بلاد الدنيا بعلمه وتعليمه للأجيال، وتتحدث صحائف الكتب والمراجع عن اجتهاده وجهاده العلمي، وتشهد الصحوة الإسلامية بأنه من أبرز مفجريها. ويشهد قادة تلك الصحوة بأنه من أساتذتهم الذين علموهم ورشدوهم حتى بلغت الصحوة رشدها، ومازال عطاؤها ممتداً حتى اليوم. هذا هو العلامة الشيخ يوسف القرضاوي الذي مازال عطاؤه يتدفق بحكمة وعلم ورجاحة عقل.. ثائر على الطواغيت، وكان في مقدمة ثوار «الربيع العربي»؛ لأنه عربي مسلم، نبت في أرض مصر، ومازال حبها يجري في دمائه، حتى ولو شرَّق وغرَّب في بلاد الدنيا. لكن «عبدالناصر سلامة»، رئيس تحرير «الأهرام»، هوى بنفسه وب«أهرامه» في الحضيض، عندما طفحت أخلاقه بوابل من السباب والشتائم للشيخ القرضاوي واصفاً إياه: «زعامة واهية أكل عليها الدهر وشرب.. موتور.. مريض بالزهايمر.. يعمل لحساب عواصم وأجهزة خارجية.. قاد مظاهرة بالأزهر لإسقاط نظام الحكم في سورية.. ثورة الشعب السوري انتفاضة طائفية واضحة»، ثم ينزع عنه مواطنته وحقه في العيش ببلاده، مطالباً إياه بالعودة أدراجه!. وبعد.. ماذا أبقى سلامة للسوقة بعد كل هذا الكيل من السباب والشتائم والاتهامات لعلامة الأمة الشيخ القرضاوي؟ وما الجريمة التي ارتكبها هذا العالِم العملاق حتى يكيل له هذا «الموتور» هذا السباب؟. إن مواصلة الشيخ القرضاوي لرسالته السامية في نشر العلم والدفاع عن حقوق الشعوب المهضومة وهو في العقد التاسع من عمره فضيلة كبرى يجب أن توجَّه له التحية والتقدير عليها، وإن كان لا ينتظر ذلك من أحد.. ثم هل هناك شخص عاقل في العالم إلا ويؤيد ثورة الشعب السوري، ويطالب بحمايته وعونه ضد ذلك الحكم الفاشي؟! إن الذين يؤيدون المجرم «بشار الأسد»، ويتشفُّون في شعبه الغارق في دمائه هم أصحاب الفكر الدكتاتوري وعباد الحاكم الفرد وعبيد السلطة المطلقة، وما فعله القرضاوي في الجامع الأزهر هو حضور مؤتمر يؤيد الشعب السوري في قضيته، ويناصره في محنته.. فأي خطأ في ذلك؟! ثم إن الشيخ القرضاوي جاء خطيباً من فوق منبر الأزهر، داعياً المصريين جميعاً للتوحد والتكاتف والتعاون، لم يكن داعية فتنة، ولا هو استنجد بالغرب للتدخل في مصر، ولا دعا الجيش المصري للانقلاب على الرئيس الشرعي المنتَخَب، ولا غضب ممن يرفضون الاعتراف ب«الهولوكوست»، ولا طالب ببناء «معبد بوذي» صغير «يا محمود» في مصر. لم يفعل أياً من ذلك حتى يوضع في سلة واحدة مع «د. محمد البرادعي»، الذي أؤكد على حقه في ممارسة رأيه وحقه في مصريته وممارسة كل حقوقه المشروعة كمصري.. لكن القرضاوي في كل خطبه وكلماته ومواقفه يعدُّ داعية الوسطية، بل هو من أبرز مؤسسي منهج الوسطية.. هو داعية خير وداعية حق يكاد قلبه ينفطر من فوق منبر الأزهر -وفوق منبر كل جمعة - حباً في بلده مصر. أين احترام الكبير؟. لقد نسي «عبدالناصر» ما قرأه في مناهج التعليم الأزهري من حديث للرسول [: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا». ثم أين حرية الرأي والتعبير والإبداع وغيرها من الكلمات الضخمة التي صدعتمونا بها؟ وهل «اخرس» من مقومات الحرية عند «عبدالناصر سلامة»؟.. لقد أعطى لنفسه حرية التطاول على عالم جليل، وفي الوقت نفسه يحرمه من حقه في الكلام والتعبير عن آرائه، ويطالبه بالصمت بل وب«الخرس» حتى آخر العمر! ولا أدري.. هل مصادفة أم توارد خواطر؛ أن يظهر «توفيق عكاشة»، أحد مهازل الإعلام المصري، وصديق عبدالناصر سلامة» ليكمل وصلة الردح، واصفاً الشيخ القرضاوي بأنه «مفتي حلف الناتو»!. إنها كلمات واتهامات تستحيي أمامها كلمات واتهامات النظام السوري نفسه للشيخ القرضاوي، معتمداً على صِبْيته بالقيام بالواجب.. ولكن هيهات يا أقزام الإعلام المصري، فمهنة الإعلام المحترم والصحافة الشريفة منكم براء. وبعد.. تبقى الكلمة للسيد رئيس مجلس إدارة «الأهرام»، ونقيب الصحفيين، ولمجلس الشورى، والمجلس الأعلى للصحافة.. فهل يتفضلون بقول شيء، أم أن نداء «عبدالناصر» «اخرس» كان موجهاً للجميع حتى يظل سبابه يشق عباب السماء؟! --------------------------------------------------------. [email protected]