أن للكتابة والنشر أهمية كبرى على مر العصور ، فهى مهنة قديمة مؤثرة لها آداب وقيم مثلى ، وهي أداة تواصل بين الحضارات ، ومقياساً لتقدم الشعوب والتواصل فيما بينها ، حيث تبرز الوعي العلمي وتعكس التقدم الثقافى والفكرى والأخلاقى لدى الأمم ، فأتخذت الكتابة لنفسها ركناً عظيماً واحتل النشر مكاناً مرموقاً فى حياة البشر ، وانتشر التدوين والتأليف فى مختلف العلوم و الآداب. ومع التقدم العلمى والتقنى الكبير الذي طرأ فى عالم النشر فى القرن العشرين بفضل استخدام الإنترنت منذ مطلع التسعينيات ، واستحداث تقنيات الوسائط المتعددة و إبتكار أساليب جديدة للتواصل ، والتى سهلت بدورها فى نشر المواد النصية والصور الثابتة والمتحركة عبر شبكة الإنترنت. فظهرت المواقع المتخصصة و المدونات والمنتديات الثقافية والصحف الألكترونية وشبكات التواصل الاجتماعية ( تويتر – فيسبوك ) ، وأتسمت جميعها بسرعة تدفق الأخبار وتداول المعلومات ، مما ساهم فى اختزال المسافات بين أنحاء المعمورة ، و إلغاء الحدود والفواصل بين الدول والشعوب. فأصبح الإعلام والنشر هو الصوت القوى للشعوب ، تعبر من خلاله عن قاضاياها ومعاناتها الداخليه والخارجية ، إلى جانب وظائف واستخدامات أخرى متعددة منها ، نقل الأخبار والمعلومات والتعليم والتعبئة ، وخلق رأى عام حر بالأضافة الى وظيفة الرقيب العمومي ، فضلاً عن أنه وسيله للترفيه والتواصل بين الأفراد . ومع تلك التطورات المتلاحقة والتقنيات الحديثة المتسارعة التى فتحت آفاقاً جديدة في مجال الإعلام والنشر ، والتى أفرزت أساليب غير تقليدية في نقل المعلومات ، كان واجباً ولازاماً بأن يتحمل كل مستخدم لتلك الوسائل الألكترونية المسئولية الاجتماعية والأخلاقية الكاملة أمام الجميع ، على كل ما يقوم بنشره عبر صفحتة أو موقعه ، وعن كل ما ينقله أو ينقل عنه أو ينقل من خلاله . ومن هنا ومن واقع المسئولية والأمانة ، علينا جميعاً أن نفكر ونسأل أنفسنا قبل أن نقوم بنشر مادة ما أو خبر معين ، هل ما نقوم بنشره هذا يساعد على إصلاح مجتمعنا ويساعد فى رقيه ويعمل على تقدمه؟؟ هل ما نقوم بنشره يساعد على تدعيم روح الألفة وتدعيم النسيج الوطنى للمجتمع أم يسعى لتمزيقه وتفريقه ؟؟ هل ما نقوم بنشرة يحض على فضيله وينهى عن شئ منكر مفسد للمجتمع ؟؟ هل ما نقوم بنشره يساعد على كشف الفاسدين المفسدين والمضللين للناس والتنكيل بالكاذبين ؟؟ هل ما نقوم بنشره يساهم على تبيان الحق للمغرر بهم من البسطاء وحتى المتعلمين ؟؟ هل ما نقوم بنشره يغرس الحس الوطنى والروح القومية والانتماء ولا يدعوا للتخوين والتشكيك ؟؟ هل ما نقوم بنشره يساعد فى تنمية الروح الإيجابية ويسعى للتنمية أم يدعوا للإنهزامية و إحباط المجتمع ؟ هل ما نقوم بنشره يحافظ على حرمة الأعراض أم يطعن فيها بالكذب ويفضح الناس بدون دليل؟؟
تلك الأسئله لو التزمنا بأقلها قد نجنب أنفسنا ويلات ذنبها وعواقب السؤال عنها أمام الله عز وجل ، وقد نحمى مجتمعنا من الوقوع فى شرار الفتن ونجنبه اضرار ومخاطر انتشار تلك الأكاذيب ، ولضمنا حفظ الأعراض وعدم الولوغ والخوض فيها ، والطعن والتشكيك في الرموز الوطنية والدينية .
واستكمالاً لذلك يلزمنا التطرق إلى موضوع متصل ولا ينفصل عن ما ذكرناه آنفا ألا وهو :
(( أمانة النقل)).
فالنقل فى حد ذاته شئ مهم وطبيعى وظاهرة صحيه إذا ما توفرت فيها الأمانة ، فما أجمل ما ننشره إذا صاحبناه بكلمة " منقول " وما أطيبه وأرقاه إذا ذكرنا أسم المنقول عنه ، فلا نكتفى بالنقل فقط دون الإشاره إلى حقيقة النقل وصاحب الموضوع ، الأمر الذى يعتبر نوعاً من التعدى على حقوق الآخرين، واستغفالاً للقاريء الكريم إذا لم نذكره. فلقد رأيت من بعض مستخدمى النت و"الفيسبوك " فى ثنايا تلك النقولات والنشرات من الزلل وغياب الضمير والإفراط فى استخدامها دون وعى ومسئولية ، ما لا يرضاه ربى سبحانه وتعالى وترفضه النفس السوية وتستنكره الأخلاق الإنسانية. وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع )) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه . فأمانة النقل جزأ لا يتجزأ من الأمانة التى أبت كل المخلوقات حملها لعظمها ، وقبل حملها الإنسان .. فلا تضييعها ... فتضيع مصداقيتك وثقة الناس بك. قال عمر بن الخطاب : وإذا اؤتمنت على الأمانة فَارْعَهَا إن الكريمَ عَلىَ الأمانةِ راعَ ويقول إبن المبارك : " استعرت قلماً بأرض الشام ، فذهبت على أن أرده ، فلما قدمت مرو نظرت .. فإذا هو معي ، فرجعت إلى الشام حتى رددته على صاحبه " . الشاهد أن تلك الأمانة تستوجب الإخلاص فى القول والنقل والتجرد دون التعصب ، وألتزام الحق و الإنصاف وقوة الحجة ، والتأكد بأن ما يتم تداوله وتقوم أنت بنشره موثق وثابت ، فترد الكلام إلى قائله و إلى مصدره الحق دون تعديل أو تبديل . وإياك والتدليس على الناس فتنسب الفضل لغير أهله .. بأن تنسبه لنفسك مثلاً ، أو تحدث فيه بعض التغييرات والتعديلات التى تعبر عن رأيك الشخصى وليس رأى صاحب الموضوع دون التنبيه على ذلك ، فينسب لكاتبه ما لم يقوله فتعطى للموضوع وجهة أخرى غير التى قصدها الكاتب الأصلى. فبهذا الفعل تصبح لصاً لأفكار الغير وسارقاً لأبداع الآخرين ، الذين قضوا وقتاً فى البحث والتفكير ، وبذلو الجهد فى إيصال فكرتهم . فأصبر و تأنى وفكر ملياً وأقراء بتمهل وزن الأمور بعقلك وضميرك .. و إذا ما عزمت على النقل ... .. فكن أميناً.. على قدر المسئولية فى النشر.