الجزائر "الخضراء".. هذا هو الوصف المناسب لمدينة لا تعرف أنصاف أو أشباه الألوان ، تسبح في زرقة المتوسط علي امتداد 1200كلم التي تحتوي علي شواطيء وخلجان بديعة.. ويتمتع هذا البلد الذي كان دافئا مع ضيوفه المشاركين في القمة العربية بتنوع طبيعي هائل فبالإضافة إلي الشواطيء هناك الغابات الخضراء التي تعد ثروة خشبية كبيرة تتصدرها أشجار الصنوبر التي تشتهر بها، ثم الواحات التي تعد همزة الوصل بين الخضرة وزرقة البحر من جهة وصفرة الصحراء، أما الأخيرة فتفتح ذراعيها لاحتضان الزائر حيث يشكل الطاسيلي والأهاقار متحفين طبيعيين مفتوحين صنفتهما اليونسكو من التراث العالمي. كل هذا يجعل الجزائر سوقا سياحيا ينافس كل دول الجوار وباقتدار إذا ما سعت إلي ذلك.. وها أنها قررت مؤخرا أن توظف أدواتها الكثيرة من تنوع طبيعي وارتباطها بالمطارات الدولية القريبة منها علي الضفة الشمالية للمتوسط وموارد بشرية تزخر بالعطاء والإجادة لتتحول إلي قطب سياحي اقليمي. ويشير الديوان الوطني للسياحة إلي أن الجزائر استقبلت 6.1 مليون سائح عام 2004 وأن المستهدف في السنوات السبع القادمة مضاعفة السياحة الخارجية لتصل إلي 1.3 مليون سائح لتحقق دخلا منتظرا يبلغ 6 مليارات دولار. واعتمد الديوان استراتيجية لجذب الاستثمار إلي القطاع لرفع نسبة النمو السنوي الحالية من 22% إلي أكثر من 60% وسوف تقيم وزارة السياحة والأسفار من 16 إلي 20 مايو القادم صالونا دوليا للترويج للسياحة الجزائرية. وهناك مثل سمعته علي لسان الجزائريين خلال فترة إقامتي بها يعكس العقلية التي ينتهجونها في الترويج لبلدهم: "3 أشياء تبعد غضب القلب: الماء، الأكل، وبشاشة الوجه". فالود الجزائري والترحاب وكرم الضيافة إذا ما عرف "الاَخر" الذي يتعامل مع هذا الشعب مفاتيح سرية بسيطة تدخله إلي قلبه ينسي التعب ويضيف إليه إبريق الشاي الأخضر بالنعناع متعة الإقامة. عتاب بوتفليقة في الوقت الذي كان غالبية السياسيين الجزائريين مشغولين بالمداولات في البرلمان حول مشروع المحروقات الذي قاد أحزاب التحالف الرئاسي عملية المصادقة عليه رغم رفض حزب العمال لذلك.. كانت غالبية الشعب يتابعون أخبار القمة العربية بين التشاؤم والتطلع إلي قرارات غير مسبوقة وغير تقليدية يليق بالتاريخ النضالي لهم، وهذا الشعب الباسل المحب للعرب بعيدا عن تشنج كرة القدم الذي يفسد باقتدار كل مجهودات الساسة يكرر علي مسامعنا الرغبة في تصحيح المسار التاريخي لبلده نحو الغرب في اتجاه وجود عربي اقتصادي أكبر.. وهي نفس الدعوة التي وجهها الرئيس بوتفليقة إلي القمة عندما صارح الجميع بعتاب واضح علي الاستثمار العربي الذي تأخر طويلا عن بلاده.. هذه الدعوة وهذا العتاب لهما ما يبررهما: فإذا ظل العرب عازفين عن الاستثمار في الجزائر.. فإن هناك من يستغل الفراغ، ورغبة البلد القوية في تعويض ما فاته، ونزع برنس الظلام الذي التحفت به مضطرة علي امتداد نحو عقد من الزمن بسبب العمليات الإرهابية، وقد بدأ الصينيون بالفعل زحفهم حيث إن الشركات الصينية تكتسح السوق الجزائرية وصفقاتها التجارية فقط قاربت ال 750 مليون دولار عام ،2004 ويلاحظ الزائر وجود الصينيين في الشوارع بل إن بعضهم عمد إلي تأجير محال في شوارع رئيسية بالعاصمة مثل شارع الشهيد ديدوش مراد، وقد فاقت عقود الصينيين خلال السنوات الثلاث الماضية ال 5.2 مليار دولار في قطاعات البناء والمياه والسدود والبتروكيماويات والطاقة والطرقات من خلال 18 شركة ومجموعة صينية.. واستطاعت أن تفتك عقودا كبيرة من شركات مغربية ومصرية بل ومحلية بفضل عروضهم التنافسية التي تميزت بأسعار أرخص، وتشير احصائيات تقديرية إلي أن العقود الإجمالية لهذه الشركات تجاوزت ال 7.20 مليار دولار خلال 3 عقود بزيادة قدرت بنسبة 43% وبزيادة حجم الأعمال بنسبة 5.14%. الاستثمار العربي حجم الاستثمار العربي في الجزائر لا يتجاوز ال 4 مليارات دولار.. ويحتل قطاع الاتصالات النسبة الغالبة فيه من خلال أوراسكوم تليكوم للهاتف المحمول، والوطنية الكويتية المشغل الثالث لشبكة المحمول بعد الشركة المحلية، هذا بالإضافة إلي استثمارات مجموعة أوراسكوم في مصنع الأسمنت الذي وفر 600 فرصة عمل وتبلغ طاقته الإنتاجية 6 ملايين طن سنويا بقيمة استثمارات تجاوزت ال 400 مليون دولار.. يضاف إليها استثمارات المقاولون العرب في قطاع البناء التي ساهمت بدور كبير في حل أزمة المساكن، وفي تجديد البنية الأساسية من شبكات طرق ومياه وصرف صحي وتحظي الشركة بثقة كبيرة لدي مجتمع الأعمال والحكومة الجزائرية من ناحية جودتها وأسعارها.