أقام عميل أمام القضاء الدعوي رقم 970 لسنة 2004 تجاري جنوبالقاهرة ضد أحد البنوك طالباً إلزامه بدفع مبلغ 150 ألف جنيه قيمة شيك، قام البنك بصرفه من حساب العميل بتوقيع غير صحيح للعميل، وقد قضت المحكمة بتاريخ 14/10/2004 برفض هذه الدعوي، واستندت المحكمة في ذلك علي وجود خطأ من جانب العميل لأنه لم يبذل في المحافظة علي دفتر الشيكات المسلم إليه عناية الرجل العادي وهو الخطأ المنصوص عليه في المادة (528) من القانون رقم 17 لسنة 1999 بإصدار قانون التجارة، ودليل هذا الخطأ سبق صرف شيكات من دفتر شيكات العميل سابقة ولاحقة علي الشيك موضوع النزاع. وهذا القضاء محل نظر لسببين، الأول: لأن المحكمة استندت فيما انتهت إليه من رفض دعوي العميل علي المادة (528) من قانون التجارة الجديد، وهي إحدي المواد الخاصة بالشيك والمؤجل تطبيقها حتي أكتوبر 2005م القادم، والثاني: أن المحكمة برأت ساحة البنك استناداً إلي عدم محافظة العميل علي دفتر الشيكات المسلم إليه من البنك، دون النظر إلي ما قد يكون قد وقع من جانب البنك من خطأ أدي إلي صرف الشيك مهدرة بذلك قواعد الاشتراك في المسئولية عن صرف الشيك المزور. فالمادة (528) من قانون التجارة تنص في فقرتها 1 و2 علي أنه: "1 يتحمل المسحوب عليه وحده الضرر الذي يترتب علي وفاء شيك زور فيه توقيع الساحب أو حرفت فيه بياناته إذا لم يكن نسبة أي خطأ للساحب، وكل شرط علي خلاف ذلك يعتبر كأن لم يكن 2 ويعتبر الساحب مخطئاً علي وجه الخصوص إذا لم يبذل في المحافظة علي دفتر الشيكات المسلم إليه عناية الشخص العادي". ولإيضاح قواعد المسئولية الواردة في هذه المادة نشير إلي أن التزوير الذي يقع علي الشيكات ينقسم من حيث دقته إلي ثلاثة أنواع، هي التزوير المتقن والتزوير العادي والتزوير المفضوح كما يلي: 1 التزوير المتقن: هذا النوع من التزوير هو أدق أنواعه، ولا يمكن لموظف البنك المتخصص صاحب الخبرة اكتشافه بسبب دقته، ويلزم لاكتشافه خبير متخصص في اكتشاف التزوير وقد يلزمه اختبارات وأدوات معملية، وهو أمر غير متيسر للبنوك، ولا يتفق وطبيعة العمل المصرفي وسرعة الأداء المطلوبة فيه، حيث لن يتمكن البنك من صرف آلاف الشيكات التي تقدم إليه يومياً إذا تطلب منه الاستعانة بخبراء اكتشاف التزوير وبالوسائل المعملية لفحص كل شيك يقدم إلي البنك. 2 التزوير العادي (أي غير المتقن): المقصود بهذا النوع من التزوير ذلك التزوير الذي يمكن لموظف البنك المتخصص القائم بإجراء عملية المضاهاة اكتشافه، ولا يلزم لاكتشافه خبير متخصص في اكتشاف التزوير أو إجراء عمليات معملية. 3 التزوير المفضوح: وهذا النوع من التزوير هو التزوير الذي يفضح نفسه، وهو الذي يسهل علي أي شخص عادي (كرجل الشارع) اكتشافه، وبالتالي يكون من اليسير جداً علي موظف البنك وبمجرد نظرة أولية بسيطة علي الشيك أن يكتشف التزوير دون أي مجهود، لأنه تزوير مفضوح يختلف تماماً عن نموذج توقيع العميل المحفوظ لدي البنك. وتتحدد قواعد المسئولية عن صرف الشيك المزور وفقاً لنص المادة (528) بعاليه كما يلي: أولاً: في حالة عدم وجود أي خطأ من جانب العميل: إذا قام البنك بصرف شيك بتوقيع مزور علي العميل أو حرفت بيانات الشيك، ولم يقع أي خطأ من جانب العميل، تحمل البنك المسحوب عليه وحده الضرر المترتب علي ذلك الذي لحق بالعميل، ويقدر هذا الضرر وفقاً لما استقرت عليه آراء فقهاء القانون وأحكام القضاء بقدر قيمة الشيك. ويعتبر العميل ساحب الشيك مخطئاً علي وجه الخصوص إذا لم يبذل في المحافظة علي دفتر الشيكات المسلم إليه عناية الشخص العادي، ومثال ذلك أن يضع العميل دفتر شيكات علي سطح مكتبه في حين أن المألوف لدي الشخص العادي أن يحفظ هذا الدفتر في خزانته أو في درج مكتبه المغلق. ويتحمل البنك كامل المسئولية عن صرف الشيك المزور في هذه الحالة (عدم وجود أي خطأ من جانب العميل) سواء كان التزوير متقناً لا يمكن للبنك اكتشافه أو كان عادياً يمكن للبنك اكتشافه. وأساس تحميل البنك للمسئولية عن طرف الشيك المزور تزويراً متقناً ليس وجود خطأ من جانبه لأنه ليس بمقدوره اكتشاف هذا النوع من التزوير لدقته ولكن تأسيساً علي نظرية مخاطر المهنة، ومؤدي هذه النظرية أن لكل مهنة مخاطرها المتوقعة وعلي من يمارسها أن يتحمل مخاطر هذه المهنة، والبنك تاجر يمارس مهنة العمل المصرفي وهي مهنة لها مخاطرها المتوقعة التي يتحملها البنك، ومن تلك المخاطر صرف شيكات مزورة من حسابات بعض عملاء البنوك، وهو ما تحتاط له البنوك بالتأمين علي عمليات صرف الشيكات المزورة. ومخاطر مهنة العمل المصرفي لا تتناسب أعباؤها البتة مع المزايا التي تعود علي البنوك من تدعيم الثقة بها وبث روح الاطمئنان لدي جمهور المتعاملين معها.