لا يختلف عاقل علي أن منصب رئيس الجمهورية منصب رفيع وشديد الأهمية، ويجب أن نطمئن الي ان من يتقدم للترشيح للفوز به هو أهل له، وقبل ذلك أنه شخص جاد. ولا يعقل ابدا ان نفتح باب الترشيح لهذا المنصب لمن يبغي نيل شهرة أو يريد أن يحظي باهتمام اجهزة الاعلام، وكذلك ليس من الحكمة أن نسمح بالترشيح لهذا المنصب لمن يريد أن يروج لأعماله وأنشطته الاقتصادية من أجل تعظيم أرباحه، أو من تقف وراءه دولة أجنبية أو أجهزة مخابرات أجنبية أو حتي تنظيمات متطرفة وجماعات ارهابية. ولكن.. ليس مفهوما ولا مقبول مادمنا قد ارتضينا الاحتكام للناخبين مباشرة وبدون وساطة مجلس الشعب، كما كان يحدث في نظام الاستفتاء طوال نصف قرن مضي، أن نغالي في وضع الضوابط الضرورية للمرشحين لهذا المنصب الرفيع حتي نحولها الي قيود مانعة للترشيح في النهاية، وبالتالي نحصر دائرة المنافسة أو نقلصها في شخص واحد أو عدد محدود جدا، هم الذين يحظون برضاء من بيدهم الأمر الآن. نعم.. الترشيح لمنصب رئيس الدولة في شتي بلاد العالم ليس مفتوحا لكل من هب ودب وثمة ضوابط تحكم هذا الأمر، وتختلف هذه الضوابط بين الدول المختلفة.. فهناك من يشترط الحصول علي تأييد عدد من المواطنين العاديين، وقد يصل هذا العدد الي مليون مواطن كما هو معمول به في روسيا وينخفض هذا العدد الي 75 الف مواطن كما في الجزائر وهناك من يشترط الحصول علي تأييد عدد من أعضاء المجالس النيابية والشعبية المختلفة كما في فرنسا ويختلف هذا العدد بين الدول.. وهناك ايضا من يشترط دفع المرشح مبلغا من المال كضمان لجدية الترشيح يسترده المرشح اذا تمكن من الحصول علي نسبة محددة من أصوات الناخبين.. وهناك كذلك من يحصر نطاق الترشيح في الأحزاب السياسية مثلما هو معمول به في الولاياتالمتحدةالامريكية حيث يتعين علي المرشح لمنصب رئيس الدولة أن يخوض انتخابات أولية شاقة داخل حزبه ليظفر بترشيحه أولا. وثمة بعض الدول التي تجمع بين بعض هذه الضوابط مثل فرنسا التي تجمع بين تأييد اعضاء المجالس المنتخبة والتأمين المالي. وبالطبع فإن كل دولة اختارت بعد مناقشات وتجارب عديدة مناقشات وتجارب عديدة الضوابط الخاصة بالترشيح لمنصب رئيس الجمهورية.. ولكن المهم أنه حدث توافق عام داخلها علي هذه الضوابط المختارة التي تصون لهذا المنصب الرفيع احترامه وتحصنه من العابثين والمهرجين والباحثين عن المغانم وارتضي الجميع في داخل هذه البلاد الضوابط، ولم ينفرد فصيل سياسي واحد بتحديدها أو صياغتها ليضمن دائما ألا يفلت هذا المنصب الرفيع من يده، الأمر الذي يتناقض تماما مع جوهر وحكمة الاحتكام الي الاقتراع السري المباشر لاختيار رئيس الدولة من بين اكثر من مرشح واحد. أما المغالاة في وضع هذه الضوابط بحيث تصير قيودا مانعة امام كثيرين للتقدم للترشيح لهذا المنصب فإنها لا تحقق أبدا الهدف الذي ينشده الرئيس مبارك من مبادرته التاريخية بتعديل المادة 76 من الدستور وقبل بدء مدة الرئاسة القادمة في أكتوبر المقبل. لذلك يجب التمهل كثيرا في مناقشة وصياغة هذه الضوابط، ويجب وهذا هو الأهم اشراك كل القوي السياسية الفاعلة والنشيطة والمفكرين والسياسيين وخبراء القانون الدستوري في صياغة هذه الضوابط بدلا من أن ينفرد بصياغتها فقط مجلسا الشعب والشوري اللذان يستأثر بالاغلبية الساحقة فيهما الحزب الوطني وحده. واذا كان الحزب الوطني بادر بالفعل لاجراء حوار وطني مع كل الأحزاب الشرعية في مصر.. فلماذا لا يتم التحضير لجلسة حوار عاجلة تخصص فقط لمناقشة الضوابط التي سيتم وضعها امام من يتقدم للترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، حتي يحدث توافق عام وبالتراضي علي ما سيتم وضعه من ضوابط. أما إثارة بالونات اختبار هنا وهناك حول بعض هذه الضوابط فانه توجد حالة من عدم الرضا السياسي في ظل ظروف بالغة الدقة نعيشها الآن، وفي ظل تربص قوي خارجية نسعي لفرض أمور معينة علينا والزامنا بسياسات محددة علينا. فالحديث مثلا عن تحديد نسبة 20% من أعضاء المجالس الشعبية المحلية يجب أن يؤيدوا أي مرشح للرئاسة قد يزعج كثيرين يرونه نوعا من التعجيز وليس من الضوابط ثم لماذا تكون اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية مشكلة بمعرفة مجلسي الشعب والشوري ومن أعضاء يختارهم المجلسان؟.. لماذا لا نحرص علي أن يكون أعضاء هذه اللجنة من شخصيات مستقلة أو قومية تحظي بقبول عام بجانب الشخصيات القضائية، أو نكتفي بتشكيلها من الشخصيات القضائية فقط؟ المهم أن يتم وضع الضوابط الخاصة بالترشيح بالتراضي ومن خلال توافق عام حتي لا تكون مثار نزاع سياسي مستقبلا، والأهم حتي نحقق الهدف الذي ينشده الرئيس مبارك فعلا من تعديل المادة "76" من الدستور.