هو شاب مصري مثل اَلاف الشباب النابهين في مصر تخرج في "كلية العلوم" وهي إحدي أهم الكليات في كل الدنيا المتقدمة وهي عندنا كذلك. وبعد تخرجه مضي في طريقه وعين بإحدي الجهات الحكومية ولكنه اصطدم "بحالة خاصة" حيث توفيت واحدة من قريباته بواحد من الأمراض العضال في هذا العصر.. والأعمار بيد الله ولكل أجل كتاب.. ولكن الشاب ذهب بفكره إلي طموح النابهين لماذا يفتك هذا المرض بالجسم البشري علي هذا النحو.. ألم يجعل الله لكل داء دواء.. وبدأ رحلته مع "الفكر" تلك المنطقة التي يكون فيها الفقر ويكون فيها وبها الثراء.. والسؤال علي هذا النحو "لماذا؟" يستلزم البحث في الأسباب، فلكل شيء سبب.. وهداه تفكيره وبحثه وإمعانه إلي منطقة لم تحظ بالقدر الكافي من الدراسة.. ونضجت الفكرة واكتملت لديه وهو ليس طبيبا وليس حاملا لشهادة الدكتوراه.. فماذا يصنع لقد حاول طرق الأبواب.. وذهب إلي أحد "نوادي العلوم" التابعة لمؤسسة الأهرام التي لابد أن نسجل لها هنا كل الاحترام و كل التقدير فتم مناقشة فكرته في إحدي الندوات التي يخصصها "نادي العلوم" لمناقشة الأفكار المبتكرة للشباب التي يعقدها بشكل دوري ويحضرها أساتذة وعلماء.. وتم توجيه الشاب إلي المركز القومي للبحوث الذي قام علماؤه والباحثون المعنيون فيه بفحص وتمحيص الفكرة.. وتم تسجيل حق الملكية الفكرية للشاب عن هذه الفكرة في إطار الإجراءات التي يتبعها المركز القومي للبحوث. ولأن الأمر يستلزم لإخراج نتائج الفكرة وتأصيلها إلي بحث أكاديمي وتطبيقي يمر بمراحل عديدة، والشاب في حالتنا تلك ليست لديه الإمكانات اللازمة لذلك.. فكان لابد له أن يطرق باب الجامعات والأساتذة المختصون لمعاونته في ذلك.. وذهب إلي محافظ الاسكندرية وهي المحافظة التي يتبعها، وكان المحافظ كعادته صادق الحب لبلده ولشباب وطنه فاهتم بالأمر وطلب من بعض أساتذة كلية الطب مساعدته.. واهتمت جهات أخري بالفكرة وحاولت شراء حق ملكيتها منه وذلك كما روي الشاب في إحدي المحطات الفضائية المصرية الخاصة، ولكن الشاب كما روي أيضا وجد أن الأمر لابد أن يأتي في إطار قومي فهذا حق بلده عليه ورفض عرض الشركة التي حاولت شراء الفكرة.. وهنا نصحته الشركة بأن الطريق أمامه شاق ولن يقوي وحده عليه ولكنه لم يستجب لذلك، واستمر في طريقه الذي اختاره.. إلي هنا والأمور علي ما يرام ولكن الأمر تغير تماما بعد ذلك، فقد قيل له إن فكرته مسروقة وليست من عندياته. كيف؟ والشاب قد تم تسجيل الفكرة باسمه من خلال المركز القومي للبحوث الذي لا تسمح إجراءاته بذلك؟ المهم أن الأمر تعثر واضطر الشاب إلي مشاركة إحدي الشركات المصرية في تنفيذ فكرته مقابل حصة معينة من "عائد" ما ستنتهي إليه من "دواء" والأخطر وكما عرض في برنامج الفضائية المصرية الخاصة أن أحد من كانوا يساعدون الشاب قد قام بتسجيل فكرة ذات صلة، وتعقدت الأمور، وأنا لست متخصصا في "الطب وعلومه" حتي أستطيع أن أدلي برأيي في القضية. غير أنه يفترض أنها قضية علمية وأن طرحها من خلال التليفزيون والفضائية الخاصة وإنما يستهدف المناقشة العلمية الهادئة، كمايستهدف تقديم مثل يحتذي للشباب لحثه علي التفكير الخلاق والمبدع، ولكن ما شاهدته من خلال البرنامج لا يستقيم مع ذلك بل يتصادم معه.. وباعتباري أستاذا لمناهج البحث العلمي أتصدي لتدريسه لطلابي علي مدار أكثر من عقد من الزمان فإنني أصطدمت أثناء مشاهدتي للبرنامج "بحالة خاصة" أيضا أطلق عليها حالة "فقر بلا حدود".. ذلك أن الأمر تحول إلي "شجار" علي الملأ.. والبرنامج يحضره شباب ويشاهده الاَلاف من الشباب.. وقد حاولت المذيعة أن تهديء من الأمر لكي يحتفظ الشباب بالأمل لديهم في تكامل وترابط الجهود التي تقود إلي أن يقدموا لوطنهم ولأنفسهم "أفكارا مبدعة" ولكن ليس كل ما يتمناه المرأ يدركه.. ذلك أن الندوة قد انتهت دون أن تترك لذلك أثرا في العقول والنفوس وهذا ما أعتبره "فقراً بلا حدود" وأنا لا أتهم أحدا في ذاك الشأن ولكن السؤال الذي طرح نفسه لمن يلجأ الشباب بأفكارهم؟ ولكن عدم وجود "اَلية اَمنة" توفر ذلك وتضمنه هو المشكلة، فبعد تسجيل الفكرة وثبات صلاحيتها المبدئية وأنها جديدة هناك "مشوار طويل" إما أن تموت فيه الفكرة أو يتم التخلص منها بيعا بثمن بخس أو بأي صورة أخري.. وإما أن تنال الاهتمام الذي يحفظ حق الجميع في إخراجها إلي الواقع العملي لنثبت للدنيا كلها أننا لسنا أقل من الاَخرين.. ولأن النجاح له ألف صاحب والفشل له صاحب واحد فإن هذا هو "الفقر بلا حدود" كما أراه.. فهل يمكن أن تتلاقي الأيادي للخروج من دائرته.. فليس شرطا أن يكون المبتكر لفكرة معينة حاملا لشهادة الدكتوراه كما لا يلزم لذلك أن يكون أستاذا بالجامعة أو رئيسا لمؤسسة، فتاريخ البشرية مدين بالكثير لمخترعين ومبتكرين لم يتوافر لهم ذلك.