في قمة الاتحاد الأوروبي التي عقدت في بروكسل في الأسبوع الماضي، تمت موافقة القمة من ناحية المبدأ علي بدء محادثات مع تركيا للانضمام الكامل إلي الاتحاد الأوروبي وذلك في أكتوبر 2005. وهذا القرار الذي لا يعني تلقائياً قبول تركيا في الاتحاد بشكل نهائي مثلما أشار الرئيس الفرنسي جاك شيراك، ولكنه من المؤكد قطع الطريق أمام اقتراحات تقدمت بها بعض الدول الأوروبية خاصة التي تحكمها أحزاب محافظة أو مسيحية ديموقراطية بالنظر في المشاركة الكاملة بين تركيا والاتحاد الأوروبي دون منح العضوية الكاملة. وكان قد سبق قرار القمة الأوروبية بأيام قرار حاسم من البرلمان الأوروبي بالدخول فوراً وبدون تأجيل في مفاوضات مع تركيا للانضمام إلي الاتحاد الأوروبي، وكان التصويت البرلماني بأغلبية مريحة بموافقة 407 أصوات ضد ،256 وغالبية المعارضين ينتمون إلي الأحزاب اليمينية والمسيحية والمحافظة. وقرار القمة والبرلمان الأوروبي يفتح بوابة حقيقية لإدخال تركيا الاتحاد الأوروبي، كما يوقف تداعيات المطالب المعقولة واللامعقولة التي كانت تطلبها بعض الدول أو بعض الاتجاهات الأوروبية كذريعة لوقف الاتجاه الموافق علي دخول تركيا والتي كان آخرها المطالبة باعتراف تركيا بقبرص التي أصبحت عضواً في الاتحاد الأوروبي منذ مايو الماضي، أيضاً تقديم اعتذار تركي رسمي عما يردده بعض المؤرخين عن المجازر البشرية التي قامت بها القوات التركية ضد أرمينيا في الحرب العالمية الأولي. وكان الأمر صعباً ومعقداً لحكومة الطيب أردغان والتي كسب الانتخابات تحت شعارات إسلامية أن تقدم الكثير من التنازلات خاصة تعديل بعض القوانين التي كان البعض يتصور أنها جزء لا يتجزأ من الشريعة الإسلامية، مثل المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، بما في ذلك المساواة في الميراث وفي حق الزواج والطلاق، وآخرها كان قانون "الزنا" الذي اضطر البرلمان التركي إلي إدخال تعديلات جوهرية عليه وفقاً للمشيئة الأوروبية، والغريب أو لعله من الطبيعي أن يصدر الفقهاء في تركيا فتوي تؤكد شرعية ما يقوم به أردغان لصالح الشعب التركي. وبينما أكد رئيس الوزراء التركي في بروكسل في الأسبوع الماضي أنه قدم تنازلات بما فيه الكفاية بحثاً عن أرضية مشتركة مع دول الاتحاد وأنه ليس علي استعداد لتلبية مطالب جديدة، كان وفي نفس الوقت يصل إلي اتفاق مع دول الاتحاد علي الاعتراف بقبرص والضغط علي الجزء التركي في قبرص أو ما يسمي بجمهورية قبرص التركية بضرورة تحقيق الوحدة وفقاً لمشروع الأممالمتحدة الأخير. أما بالنسبة لاعتذار تركيا عما يسمي بمذابح الأرمن فقد طلبت تركيا ووافقتها غالبية الدول الأوروبية خاصة ألمانيا وإنجلترا بأن تجري المفاوضات حول هذه القضية وقضايا أخري تاريخية كان الأتراك فيها هم المضطهدون. وتركيا كانت من أوائل الدول التي طرقت أبواب الاتحاد الأوروبي، بل والسوق الأوروبية المشتركة من قبل، وانطلقت تركيا من حقيقة جغرافية من أن هناك جزءًا من تركيا يقع في أوروبا (3%) إضافة إلي أن تركيا تشرف علي معابر شرق ووسط أوروبا إلي البحر المتوسط من خلال مضيقي البسفور والدردنيل. إضافة إلي ذلك فقد ارتبطت تركيا ومن البداية، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية بالنظم الدفاعية الغربية حين انضمت إلي حلف الأطلنطي في بداية الخمسينيات جنباً إلي جنب مع فرنساوألمانيا وإيطاليا وإنجلترا واليونان، وعدد آخر من دول غرب أوروبا التي تشكل مجموعة الاتحاد الأوروبي في الأساس، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت تركيا إحدي قلاع الغرب الرئيسية في مواجهة الشرق السوفيتي والأوروبي في ذلك الوقت. وإذا كانت عوامل الجغرافيا والأمن الأوروبي قد دفعت بمشروع انضمام تركيا إلي الاتحاد الأوروبي، فان البعد التاريخي لتركيا العثمانية كان ومازال يمثل ندوباً عميقة علي طريق الانضمام التركي، فلقد كانت تركيا العثمانية أكبر قوة في التاريخ قامت بغزو الأعماق الأوروبية. ومنذ فتح القسطنطينية في أواسط القرن الخامس عشر، شمل الغزو العثماني والسيطرة العثمانية منطقة واسعة في شرق ووسط أوروبا وشملت دولاً مثل رومانيا وبلغاريا ويوغوسلافيا والمجر واليونان، بل إن القوات التركية العثمانية حاصرت فيينا عاصمة أوروبا في ذلك الوقت لفترة امتدت ستة أشهر، وتواصل الاحتلال التركي علي مدي قرون طويلة. ومن يقرأ رواية "جسر علي نهر درينا" الشهيرة يستطيع أن يدرك عمق الجراح التي خلفها الاستعمار التركي العثماني لبعض الدول الأوروبية، خاصة شعوب وسط وشرق أوروبا، بل وهناك تعبير في كل اللغات الأوروبية الحديثة "أنت تركي" بما يعني أموراً سلبية مثل القسوة والغباء.