الذين رفضوا الكويز مازالوا يدقون الطبول اعتراضا وتهييجا علي توقيع الاتفاق دون ان يتقدموا ولو بفكرة واحدة او بديل عن الاتفاق، وعلي الجانب الآخر فوجئ الناس خلال الايام القليلة الماضية باخرين ينقرون الدفوف فرحا وغبطة بالكويز وظهرت ارقام عجيبة صدرت للاسف الشديد عن شخصيات كبيرة في عالم الاقتصاد والاعمال تتحدث عن تضاعف الصادرات المصرية عدة اضعاف وصلت لدي البعض الي اربعة مليارات دولار صادرات نسجية فقط خلال عامين! وافرط آخرون بالتفاؤل وتحدثوا عن استثمارات جديدة سوف تهل من الخارج وصلوا بها الي خمسة مليارات دولار بعد توقيع الاتفاق واتاحة ربع مليون فرصة عمل جديدة وارقام اخري في هذا الاتجاه توحي وكأن الكويز هو الحل السحري لمشاكلنا الاقتصادية.. وفي الحالين الرفض المتعنت والتأييد المفرط في التفاؤل هما بمثابة اخراج للامر عن سياقه وتضييع للحقيقة، واثرهما بالغ الضرر علي حياتنا الاقتصادية سواء بحشد الناس ضد مجرد اجراء اقتصادي يستهدف معالجة موقف معين او تفجير لتوقعات الناس بشأن اتفاقية محددة الاهداف ومحدودة النتائج والامران رغم تناقضهما يكشفان عن خلل في المعالجة الاعلامية لمسألة الكويز يعكس خللا اكبر في التعامل المنطقي مع الاحوال الاقتصادية وهنا مكمن الخطورة التي ينبغي درؤها. والواقع يقول ان اصل المسألة هو اعلان الولاياتالمتحدةالامريكية عن الغاء نظام الحصص الذي كانت تتبعه لسنوات طويلة في وارداتها من الملابس الجاهزة والمنسوجات من مختلف دول العالم التزاما بتعهداتها تجاه اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وقد وضع هذا التطور دولا كثيرة في موقف حرج خوفا علي ضياع فرصتها في التصدير الي امريكا اكبر اسواق العالم واشدها تأثيرا في اقتصاديات الدول الاخري وبالغاء نظام الحصص سوف تصبح المنافسة الحرة بين الجميع هي اساس الوصول الي الاسواق الامريكية باستثناء الدول التي ترتبط بمعاهدات تجارية متقدمة مع امريكا وعلي رأسها تلك التي اقامت اتفاقيات تجارة حرة مع امريكا وبينها اسرائيل، وطبقا للدراسات الدولية فان اعتبارات الجودة والتكلفة سوف تجعل من اربع دول تحصل علي 65% من سوق التصدير للولايات المتحدة وان هناك دولا كثيرة تفوق صادراتها بكثير الحصة المصرية سوف تتأثر بشدة بعد تحرير المنافسة وبالنسبة لمصر رغم ضآلة حصتها فان الصادرات النسجية مهددة بشدة نتيجة ضعف الانتاج وارتفاع التكلفة وعلي هذا كان التفكير في الكويز علي امل ان يساهم هذا الاتفاق في ايجاد مخرج للحفاظ علي حجم صادراتنا للسوق الامريكية التي وصلت في احسن احوالها الي 550 مليون دولار وهو ما لا يزيد علي 12% من الحصة التركية كمثال. المسألة إذا لم تكن ابدا نكوصا عن الثوابت الوطنية او هي علي الجانب الاخر حلا جذريا لتركة الصناعة الوطنية المثقلة بالاعباء والمشكلات..! بل ان الاصرار علي نغمات التشنيع او المبالغة في التوقعات هو بمثابة اهدار للحقائق وتلاعب في غير موضعه بمشاعر الناس.. القضية الاساسية التي ينبغي الحديث عنها الان هي كيف يمكن ان نجعل من الانتاج المصري كفئا وقادرا علي المنافسة بتكلفة مناسبة.. هذه هي أم القضايا لانها ترتبط مباشرة بتحدي التنمية الفاعلة للخروج من مشاكلنا الاقتصادية المعروفة الان للجميع والتي من بينها بصراحة تخلف الجودة وارتفاع التكلفة عن المعدلات التي بلغتها دول اخري كانت حتي عقود قليلة مضت خارج مسيرة التاريخ. وفيما يتعلق بصناعة الغزل والنسيج المعنية اكثر من غيرها باتفاقية الكويز فان الاتفاق يقدم حلا تكتيكيا قصير الامد ومشروطا بنهضة الصناعة التليدة التي اهدرنا تاريخا طويلا فيها بسبب البيروقراطية وتفشي الاهمال لنتحول من انتاج كان قابلا للتسويق في انجلترا رائدة صناعة النسيج في العالم منذ الثلاثينيات وحتي الخمسينيات ليصل انتاجنا الي ما هو معروف ربما باستثناءات قليلة هي التي نجحت في التصدير للخارج.. ان النهوض بصناعة النسيج ومنتجاته يجب ان يكون الشغل الشاغل للجميع الان كوننا نملك معظم مقوماتها وعلي رأسها القطن المصري الشهير وقبله ثروة بشرية كونت خبراتها عبر تاريخ طويل تستطيع العمل والانتاج بكفاءة اذا ما توافرت لها الادارة النزيهة والخبيرة وبعض المقومات الادارية والاجرائية.. ان محاولات اصلاح الصناعة المصرية مستمرة علي مدي العقود الماضية وهي فترة طويلة جدا للوصول الي جوهر المشكلات والبحث عن حلول لها.. وقد تكون المشكلة في المنهج الذي نتبعه في حل هذه المشكلات بدليل ان ايا من الحلول التي تمت تجربتها لم تؤت ثمارها رغم تكلفتها الباهظة.