بعد الحلقة الأولى التى قدمناها عن جلال الزوربا مهندس الكويز ، وعرابها الأول ، حان الوقت للحديث عن الرجل الثانى وراء تلك الاتفاقية ، والشريك الأكبر للزوربا فى الاستفادة من منها ، إنه علاء عرفة ، وما أدراك من هو علاء عرفة ؟! ... البداية فى سنة 1973 ، عام العبور والانتصار العظيم على إسرائيل ، حصل علاء أحمد عرفة على مجموع كبير فى الثانوية العامة ، مكنه من الالتحاق بكلية الطب ، التى واصل فيها تفوقه الدراسى ، حتى صار معيدا بكلية الطب جامعة عين شمس عام 1980 ، وكان يمكن لهذا الشاب المتفوق أن يصير اسما لامعا فى عالم الطب ، لولا مرض والده الذى أوجب عليه أن يختار : إما الطب ، وإما أن يخلف والده فى إدارة شركة المنسوجات (جولدن تكس ) ، ومحال البيع بالتجزئة ، التى يملكها الوالد ، ولم يكن الاختيار صعبا ، فهو أكبر الأبناء ، وطالما استهوته صناعة وتجارة الملابس التى اعتاد أن يساعد والده فى إدارتها ، فاستقال من الجامعة ، وتفرغ للبيزنس .. وكانت المرحلة الرئيسية فى حياته مع البيزنس ، هى تأسيس الشركة السويسرية (Swiss Garments Company SGC ) سنة 1989 ، التى كانت نواة لمجموعة اقتصادية كبرى فى عالم الملابس الجاهزة ، ونشاطات اقتصادية أخرى. استغل علاء وشقيقه أشرف علاقة والدهما (خريج الكلية الجوية ) الوثيقة برءوس النظام الحاكم ، واستطاعا عبر تلك العلاقة شراء شركة ومحلات (أوركو) التابعة للقطاع العام ، دون منافس أو مزايدة ، وقاما بتغيير اسمها إلى (جراند ستورز) ، كما استغلا علاقتهما برجال الحكم فى الحصول على قروض من البنوك وصلت إلى 4 مليارات جنيه ، لم يُسدد معظمها لليوم ، وعبر تلك العلاقات ، وتلك الأموال تأسست امبراطورية " العرفة " الصناعية التجارية ، ولكن القصة لم تكن لتكتمل إلا بالتعاون معهم .. الإسرائيليين طبعا .. رجل التطبيع الاقتصادى سنعود للوراء قليلا ، وبالتحديد لمنتصف التسعينيات الماضية ، لنتذكر قصة الجاسوس الإسرائيلى عزام عزام ، الذى قُبض عليه فى القاهرة ومعه شريكه المصرى عماد إسماعيل ، فى عام 1996 ، يومها كشفت تحقيقات النيابة أن قصة عزام وعماد بدأت من الشركة السويسرية للملابس التى يملكها علاء عرفة ، فقد سافر عماد لإسرائيل ، وتعرف على ضابط المخابرات الإسرائيلى عزام عزام عن طريق عمله فى الشركة السويسرية ، التى أرسلت وفدا من العاملين فيها للتدرب فى المصانع الإسرائيلية ، فى فبراير 1996 ، لتتحول المهمة التدريبية بالنسبة لعماد إلى مهمة من نوع آخر .. مهمة خيانة وتجسس .. أى أن العلاقة بين علاء عرفة والإسرائيليين ليست حديثة ، وأن الرجل ولى وجهه صوب التعاون الاقتصادى مع تل أبيب من فترة طويلة ، مقارنة بزملائه من رجال الأعمال المتعاونين مع إسرائيل ، وقد توجت تلك العلاقات مؤخرا باتفاقية الكويز التى نقلت الرجل إلى صدارة مصدرى الملابس الجاهزة فى مصر ، وجلبت له الملايين من الدولارات . تضامن علاء عرفة مع جلال الزوربا ، وباقى شلة الكويز فى الضغط على الحكومة المصرية لتسريع توقيع الاتفاقية ، وبسبب تلك الاتفاقية المشئومة تدفقت الأموال على عرفة ، وزادت أرصدته فى البنوك ، لا يهم ما تفعله إسرائيل فى غزة ولبنان من قتل وتدمير ، ولا يهم أن يمد يده لأعداء الأمة ، وأن يستورد الخامات والكيماويات من إسرائيل ، وطائراتها تضرب الأبرياء العزل فى غزة ، أو لبنان ، فالمبدأ الذى يؤمن به عرفة ، ومن على شاكلته : البيزنس ليس له وطن أو دين !! بسبب الكويز احتل علاء عرفة ، وحليفه جلال الزوربا ، صدارة مصدرى الملابس الجاهزة فى مصر ، وعبر ذلك التحالف غير المقدس ، استطاعت شركتان من شركاتهما المتعددة أن تستوليا على 25 % من صادرات مصر من الملابس : الشركة السويسرية المملوكة لعرفة ، وشركة النيل المملوكة للزوربا ، ولم لا ، وقد صار عرفة رئيسا للمجلس التصديرى للملابس ، والزوربا رئيسا لاتحاد الصناعات !! وعبر الكويز قفزت الشركة السويسرية إلى المرتبة الأولى فى قائمة أكبر 15 مصدر للملابس الجاهزة فى مصر سنة 2007 ، وكانت تحتل المركز الثانى فى السنة السابقة ، والبركة فى الشريك الإسرائيلى ، والعلاقات الدافئة مع تل أبيب !! ورغم أن الحجة الرئيسية التى رفعها دعاة الكويز ، هى توفير فرص عشرات الآلاف من فرص العمل عبر تلك الاتفاقية ، فقد بدأت مصانع عرفة والزوربا فى السنتين الأخيرتين فى استقدام عمالة أجنبية أسيوية ، بحجة عدم توافر العمالة المصرية المدربة ، وعلى الجانب الآخر تضع تلك المصانع العاملين بها فى اختبار صعب ، بإرسالهم للتدرب فى المصانع الإسرائيلية ، رغم أن ذلك يعرضهم لمحاولات التجنيد من الموساد ، كما حدث فى قصة عزام التى ذكرناها . ولا تفوتنا الإشارة فى هذا المقام لشكوى العمال فى مصانع وشركات عرفة ، والزوربا ، من تدنى الأجور ، وسوء الظروف التى يعملون بها ، والاستغلال الواقع عليهم من أرباب العمل !! الكويز للأبد صدعنا جلال الزوربا ورفاقه بالحديث عن الفوائد الاقتصادية الكبرى للكويز ، وأنها خطوة مهمة فى طريق التجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة ، ولكن المفاجأة التى كشفها أحد كبار المسئولين فى الحكومة المصرية (السفير جمال بيومى المشرف على العلاقات الاقتصادية بين مصر والاتحاد الأوربي) ، هى أن عصبة الكويز ، التى سماها (لوبى الكويز ) هى السبب الرئيس فى تعثر عقد اتفاقية التجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة ، على مدار ست سنوات ، لتعارض تلك الاتفاقية مع مصالحهم الشخصية ، وعلى رأس هذا اللوبى يأتى علاء عرفة وجلال الزوربا ، فمن شأن اتفاقية التجارة الحرة مع أمريكا أن تلزمهما وغيرهما من المصدرين أن تكون صادراتهم مصنوعة من أقمشة مصرية ، على عكس الكويز التى تسمح باستخدام أقمشة غير مصرية ، وتشترط نسبة محددة من الخامات الإسرائيلية ، وأعضاء هذا اللوبى هم وحدهم بعلاقاتهم القوية مع الدولة الصهيونية ، القادرون على توفير تلك النسبة ، والتعاون مع المصانع الإسرائيلية فى هذا المجال !! لذا فالكويز تمثل الفرصة الأكبر لعرفة وإخوانه فى الإثراء ، وتكديس الثروات ، والاستحواذ على سوق تصدير الملابس ، والعلاقات مع الكيان الصهيونى هى البوابة لذلك ، وفى النهاية إسرائيل هى المستفيد الأكبر ، فقد نجحت ، بمعاونة الولاياتالمتحدة ، فى تكوين طبقة من رجال الأعمال المصريين تتشابك مصالحهم مع المصالح الإسرائيلية ، ويتغلغلون فى النخبة السياسية والاقتصادية المصرية ، ما يجعل خيار ، أو قرار الحرب مع إسرائيل ، مستقبلا ، مستبعدا ، ف " السلام " أو " الاستسلام " للصهاينة يحميه رجال الأعمال هؤلاء ، ويرتبط بقاؤهم وثراؤهم به ، مهما كان الثمن المدفوع من دم العرب والمسلمين .. مهما كان ..