أهم ما ورد في قرارات تحديث الجهاز المصرفي التي جري اعلانها بداية الاسبوع انها تضمنت برامج زمنية لتنفيذها وهو ما يشير الي جدية العمل هذه المرة في اتخاذ القرارات الصعبة بشأن اصلاح الجهاز المصرفي، وربما بسبب شعور السوق بهذه الجدية قفزت اسعار اسهم بعض البنوك الي ما يزيد علي 10% دفعة واحدة في سابقة نادرة الحدوث، قرارات تحديث الجهاز المصرفي التي اعلن عنها عقب لقاء الرئيس بالمجموعة الاقتصادية كلها مهمة وكلها تمثل مطالب اصلاحية طالما نادي بها الخبراء لسنوات طويلة ولطالما اعلنت الحكومات المتعاقبة عن دراستها غير ان الجديد هذه المرة هي تلك الصبغة التنفيذية التي اصطبغت بها القرارات والمناخ الذي جري الاعلان عنها فيه حيث صدرت قبلها وبالتوازي معها سلسلة من القرارات المالية الاصلاحية التي تشي بأن ثمة فكرا اصلاحيا يبزغ وان هذا الفكر يقترن بالتنفيذ السريع وفق آليات واضحة. مبلغ علمنا أن كثيرا من الدراسات المتعلقة بتحديث وتقوية الجهاز المصرفي جاهزة منذ سنوات خاصة فيما يتعلق بدمج البنوك الصغيرة والتي جري الحديث عن دمجها وتقويتها منذ بداية الثمانينيات غير ان عراقيل بيروقراطية وعراقيل أخري مفهومة اعاقت تنفيذ هذه الخطوة الضرورية والملحة وبسبب هذه العراقيل تفشت ممارسات سلبية انعكست علي اداء هذه البنوك ليس اهمها مساهمة بعض هذه البنوك في أزمة الديون المتعثرة بنصيب غير قليل وبعد ذلك تعثر هذه البنوك نفسها في حل مشكلة هذه الديون، وطبقا للدراسات الكثيرة التي اجريت في هذا الخصوص فإن هناك عدة سيناريوهات لدمج هذه البنوك بينها اعادة ملكية البنوك الصغيرة الي البنوك العامة والرئيسية التي تملك الحصة الاكبر في رأس المال أو دمج بعض البنوك الصغيرة مع بعضها البعض أو السماح بتملك بنوك كبري محلية أو اجنبية لهذه البنوك خاصة ان بعضها تؤول حصة من رأسماله الي بنوك اجنبية معروفة وايا كان الخيار الذي سيتم الاستقرار عليه فإن التوجه نفسه اصبح ضرورة ملحة بسبب ضعف رأسمال وأصول هذه البنوك التي اصبحت بالفعل عبئا علي الجهاز المصرفي منذ سنوات طويلة بدلا من ان تكون دعما له وفق الفكرة الاساسية التي سمحت بالتوسع في انشاء هذه البنوك في فترة مبكرة من عمر الانفتاج الاقتصادي في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات القضية ترتبط ايضا بعجز هذه البنوك وبنوك كثيرة أخري عن التواءم مع مقررات بازل المصرفية 1 و2 والتي اصبحت تحدد مصداقية البنوك في العمل المصرفي الخارجي وبدونها تصبح المصارف الوطنية محلية في الاداء وتعاني من مشكلات كبيرة في اتمام عملياتها الخارجية بدون وسيط اجنبي مما يزيد من تكلفة هذه العمليات ويضعف من مكانة هذه المصارف علي المستويين الاقليمي والعالمي وربما لهذا السبب تحديدا بجانب اسباب اخري لم تغفل القرارات الاخيرة اصلاح البنوك العامة الرئيسية والتي برغم ضخامتها النسبية مازالت تعاني من مشكلات الملاءة مقارنة بكثير من البنوك الاقليمية بالاضافة الي مشكلاتها الادارية بسبب ضعف الكوادر وعدم تأهيلها علي النحو الذي يسمح بمنافسة هذه البنوك وسط تطورات مصرفية متسارعة يشهدها العالم وهي قضية الديون المتعثرة احد اهم شواغل الجهاز المصرفي وجدت هي الاخري مكانا في القرارات الأخيرة ولا شك ان التوجه الجديد بتجنب اللجوء الي القضاء لحل قضايا التعثر بمثل عودة الي المسار الطبيعي وتفهما من الدولة لمجمل الظروف الاقتصادية المحيطة بهذه الديون ولا يبقي الا ان ينتهز اصحاب هذه الديون الفرصة للعمل علي انهاء هذه الازمة التي تضر بالجميع. القرارات في مجملها ايجابية والناس تنتظر بعض التفاصيل خاصة فيما يتعلق بالديون المتعثرة وكذلك اسلوب توسيع قاعدة الملكية في البنوك المشتركة وكذلك البرامج التفصيلية لاعادة هيكلة البنوك العامة والتي منحت فترة زمنية تتراوح بين 3 و4 سنوات وهي فترة ليست كبيرة في ضوء الحجم الكبير من الجهود التي يتطلبها اصلاح هذه البنوك التي عانت الكثير منذ انشائها أو تأميمها في نهاية الخمسينيات القضية التي تحتاج الي بعض التفاصيل والشرح هي الحديث عن دمج الاجهزة الرقابية للمصارف وسوق المال والتمويل العقاري في جهاز واحد حيث ان الفكرة غير معتادة ولم نسمع عن وجود مثيل لها في الدول الاخري حيث لكل نشاط من هذه الانشطة جهازه الخاص المعني بالرقابة بسبب اختلاف طبيعة عمل واهداف كل من هذه الانشطة ولا يجمعها سوي ان المال هو نشاطها ولكنه لا يكفي وحده مبررا لتقليص النشاط الرقابي علي كل هذه المؤسسات في جهاز واحد.