كشفت دراسة حول التصالح في جرائم الفساد ناقشها مؤتمر العدالة بين الواقع والمأمول الذي نظمته كلية حقوق الإسكندرية مؤخرا وأعدتها عبير فؤاد باحثة دكتوراة أن الدراسة للعدالة التصالحية وذاتية جرائم الفساد توصلت إلي أن ظاهرة الفساد السياسي والمالي والاقتصادي استشرت في الدول العربية بشكل ارتبط بالصفقات الكبري والتربح من القرارات السياسية وقد أدي ذلك إلي ازدياد كلفة الخدمة العامة وسوء أدائها وتبدد عدالتها وتشويه القطاع الخاص وهدر مبدأ تكافؤ الفرص وإعاقة آليات السوق وتوقف المنافسة وكل ذلك. وأشارت إلي أن اضراره تؤثر علي قيم العدالة الاجتماعية المنوط بالدولة حمايتها. كما أن جرائم الفساد تتمتع بذاتية تميزها عن الجرائم الأخري لاسيما فيما تتمتع به من تنظيم وسرية وتعدد الأطراف وارتباطها بالنفوذ السياسي. جرائم الفساد الاقتصادي والمالي يكون هدفها دائما تحقيق الأرباح والحصول علي مغانم لا تتساوي مع قيمة المقابل الذي يتحمله أصحابها. بينما جرائم الفساد السياسي لا تؤثر فحسب علي الوضع الاقتصادي والمالي للدولة بل تهدم قيم الديمقراطية والعدالة وهيبة القانون تتعدد أدوات ومصادر الفساد فتبدأ باستغلال الوظيفة العامة والمال السياسي وتنتهي بتسخير القانون لخدمة الأغراض الفاسدة والدولة مسئولة عن إقامة وصون نظام للعدالة الجنائية يتسم بالانصاف والمسئولية الأخلاقية والكفاءة ونتج عن تزايد عدد القضايا المعروضة أمام القضاء حدوث أزمة العدالة الجنائية الأمر الذي دفع الدول إلي اتباع سياسة جنائية حديثة تأخذ بنظام الصلح حيث اجاز المشرع المصري التصالح في جرائم الفساد الاقتصادي كما اجازه في جرائم الفساد المالي بالنسبة للمستثمرين، وحركه في ذلك تطور الغرض من العقاب من التشفي والانتقام إلي فكرة المنفعة ولذلك أصبح من الضروري إصدار قانون لمكافحة الفساد نظرا لما تتطلبه هذه الجرائم من سياسة جنائية إجرائية وموضوعية خاصة تتماشي مع ما لهذه الجرائم من ذاتية. لما في ذلك من حماية أكبر لمصالح الدولة الاقتصادية والمالية وتحقيق لأهداف العقوبة ينبغي النص علي اجازة التصالح في جرائم الفساد المالي والاقتصادي وذلك برد المتهم لكل الأموال المتحصلة من الجريمة وعائداتها مع عدم إخلال ذلك بالغرامات الجنائية الأخري. ينبغي الزام المتهم بتقديم اقرار بممتلكاته أثناء إبرام التصالح واعتبار ظهور ممتلكات له بالمستقبل ابطالا للتصالح وعودة به للمحاكمات الجنائية والنص علي حرمان المتهم الذي يحمل صفة الموظف العام من الخضوع لنظام التصالح لأنه الأمين علي المال العام وعلي الثقة الواجبة في الوظيفة العامة حيث يستند الصلح إلي مبدأ الرضائية، فمن الممكن أن تعيب إرادة الجاني أو المجني عليه علي حد سواء وانغلاق سبل الطعن بالصلح أمر لا يحقق العدالة الجنائية المرجوة. وأكدت الدراسة أنه لا يوجد نص شرعي يحرم التصالح في الجرائم الواقعة علي مصلحة الدولة وعليه فإننا لا نري تعارضا مع مقاصد الشريعة ولا مع الأغراض العقابية إذا تم التصالح في جرائم الفساد المالي والاقتصادي وهذا ما قامت به بعض الدول من التفاوض والتصالح مع المفسدين الذين تحايلوا علي القوانين أو استغلوا ثغرات نظام حكم فاسد فالثورة التي قام بها شعب جنوب إفريقيا بزعامة نيلسون مانديلا فعلت هذا لأنها فضلت المصالحة علي المصارحة وقد نجحت جنوب إفريقيا وأيضا تشيلي في هذا المجال وذلك كله من أجل إمكانية استعادة الأموال المنهوبة كما أن هذه الجرائم قامت من أجل المال وعقابهم باستردادها المال يحقق الهدف العقابي لأن الجزاء سيكون من جنس العمل.