تتعرض بنوك العالم المتقدم لضغوط شديدة سواء من لوائح الضبط والتنظيم التي تصدرها سلطات الدولة أو من الدائنين أو من حملة الأسهم لكي تقوم بتعديل وتجديد نفسها لتصبح كيانات أصغر حجما وأكثر أمانا، وفي نفس الوقت تحاول شركات التمويل غير المصرفية استثمار الانكماش الذي طرأ علي البنوك ولا يزال يطرأ لمصلحتها ولا توجد فرصة لتلك الشركات أكبر من تلك المتاحة لها في أوروبا لكي تتوسع وتحل محل البنوك كمانح للائتمان. ولكن هناك أطرافا سيظل من الصعب عليها الحصول علي بديل للائتمان المصرفي وخاصة الشركات الأصغر حجما التي لا يمكنها اللجوء إلي أسواق السندات. وبجانب السندات فإن عمليات التوريق يمكن أن تكون مصدرا آخر من مصادر التمويل التي تلجأ إليها الشركات عند الضرورة. ولكن عمليات التوريق في أوروبا ذات سمعة رديئة بسبب دورها في صنع الأزمة المالية العالمية بنهاية عام 2007. كذلك فإن قروض مشروعات البنية الأساسية التي عادة ما تكون طويلة الأجل ولا تسحق السداد إلا بعد عشرات السنين لن يمكن تحويلها هي الأخري عبر أسواق السندات. وتفتقد شركة الاستشارات أوليفر وايمانا ان البنوك الأوروبية ستحتاج إلي التخلص من تمويلات طويلة الأجل قيمتها 900 مليار يورو (1،125 تريليون دولار) في قطاعات البنية الأساسية والممتلكات التجارية وتمويل المشروعات. ويبدو من الناحية النظرية أن هناك مصادر تمويل كافية غير مصرفية لسد الفراغ الناشئ عن انكماش الدور الائتماني للبنوك. فالأصول طويلة الأجل والمربحة منها بالذات يمكن أن تغري الممولين ذوي الالتزامات طويلة الأجل علي شرائها ومثال ذلك صناديق المعاشات وشركات التأمين.. ولكن لابد أن نعرف أنه ستظل هناك موانع سلوكية وفنية وعمليانية تعوق حدوث انتعاش سريع للتمويل غير المصرفي.. فصناديق المعاشات مثلا وما شابهها اعتادت أن تستثمر أموالها في أصول مثل الأسهم وسندات الشركات الحاصلة علي درجة الصلاحية للاستثمار ولا تستثمر في الديون الخاصة.. كما أن السلطات الحكومية المنظمة لعمل صناديق المعاشات واشباهها تمنع استثمار أموال هذه الجهات في الأصول طويلة الأجل أو غير القابلة للتداول مثل ديون مشروعات البنية الأساسية لأنها ليست قابلة للتسييل بسهولة.. ونفس الأمر بالنسبة لشركات التأمين التي لا يمكنها أن تستثمر في الأصول طويلة الأجل بسبب القواعد التي وضعتها أسواق المال في هذا الشأن. وهناك عوامل أخري تعوق تدفق مصادر التمويل غير المصرفية في أوروبا.. ومنها أزمة دول اليورو.. فلا أحد صار يضمن بقاء العملة الأوروبية الموحدة وهو ما سيمنع المستثمرين من الإقبال علي أدوات الاستثمار المصدرة باليورو.. كما أن ارتفاع حجم الديون المتعثرة والمعدومة في منطقة اليورو يعد عائقا آخر.. ولكن العائق الأكبر هو أن الهيمنة التاريخية للبنوك في سوق التمويل الأوروبية تعني قلة عدد مؤسسات الاستثمار التي لديها خبرة في التعامل مع مصادر التمويل غير المصرفية.. خاصة أن أدوات الدين غير المصرفي عادة ما تكون أقل سيولة بل وأقل مصداقية.. وقد توقع خبراء مورجان ستانلي هذا العام أن تقلل البنوك الأوروبية حجم التزاماتها تجاه قطاع الممتلكات والعقارات بنحو 300 600 مليار يورو "375 750 مليار دولار" خلال السنوات القليلة القادمة.. أما المبلغ الذي ستقدمه مصادر التمويل غير المصرفية فسيكون ما بين 100و200 مليار يورو "125 250 مليار دولار" ولذلك فإن شروط الائتمان غير المصرفي عندما يكون متاحا ستكون مشددة وذات تكاليف أعلي مهما كانت البنوك تطلبه.. أما طالبو الائتمان من الصغار والضعفاء فلن يكون أمامهم بديل سوي البنوك.