حبذا لو وجهت النخبة من السياسيين من مختلف التوجهات نظرها صوب الوضع الاقتصادي البائس وقد حاصرته الأمواج العاتية من كل جانب حينئذ سوف ندرك جيدا خطورة الأمر، ويصبح تنحي التسلط المعتقدي جانبا، وإفساح المجال للعلم بخبراته من ذوي النزاهة والوعي السياسي والمجتمعي، مطلبا قوميا لا غني عنه. وإذا كان الا قتصاد في حاجة إلي مرفأ آمن تظلله أوضاع سياسية واضحة ومستقرة، فإن الممارسة السياسية بدورها تفقد معانيها وأهدافها وفعاليتها إذا كانت لحالة الاقتصادية آيلة للانهيار من هذا المنطلق، فقد تلازمت مؤخرا حادثتان تصلتان بالقرار الاقتصادي بطريقة أدني لتعميق الهواجس وزيادة المخاوف فقد صدر قانون يستهدف فرض ضرائب مبيعات علي نحو 50 سلعة من أجل تحسين موارد خزينة الدولة ببضعة مليارات من الجنيهات، قدرت بنحو 7 مليارات، وذلك تنفيذا لمتطلبات منح قرض صندوق النقد، الذي لم يشترط فرض نوع معين من الضرائب علي حد قول مفاوضي الصندوق، وإنما جاء الاختيار من جانب الادارة الحكومية وقبل أن يجف المداد الذي صدر به القانون كان الآخر بقرار تجميده أو تأجيله، بعد أن طاف بذهن السلطة أحداث مشابهة وقعت في يناير 1977، وكان وقعها في حينها شديدا وبالاضافة إلي ذلك فقد كانت هناك مخاوف التأثير السلبي للقانون علي التصويت علي الدستور وإزاء تلك الواقعة يقرر الصندوق بدوره تجميد أو تأجيل موافقته علي المنح لحين وضوح الرؤية والقدرة علي إجراء البعض من التصويبات المطلوبة، فما كان علي الادارة الحكومية بعد "نوبة الفوقان" المتأخرة هذه إلا أن تدعو إلي حوار مجتمعي، يبحث فيه سبل انتشال اقتصاد البلاد من أزمته الشديدة الراهنة، بعد أن أدركت حجم المأساة التي انتهت إليها. وهنا تصبح الخطوة الأولي المهمة تلبية لهذه الدعوة والدخول في هذا الحوار هي لملمة تلك المشكلات والأعراض الاقتصادية المتناثرة، وإدراجها في خانات التصنيف المتعارف عليها اقتصاديا حتي تتوحد الجهود وتستخدم أدوات المعالجة الخاصة بكل مجموعة علي حدة، وعند هذه المرحلة سوف تقابلنا ثلاث تقسيمات رئيسية معتمدة عالميا: الوضع المالي والذي تتولي مسئوليته الادارة الحكومية، والوضع النقدي الذي يقوم برسم سياسات وخطط البنك المركزي، ثم أخيرا الوضع التقني ويشرف علي تنفيذه القائمون علي العملية الإنتاجية. ولعله من الأهمية بمكان التأكيد علي أن تلك التقسيمات الثلاث لا تعمل مطلقا بمعزل عن بعضها البعض، وإنما هناك مساحة مشتركة من التداخلات والتأثيرات المتبادلة عند تصميم النموذج أو البرنامج الخاص بكل منها، وتعتمد هذه الرؤية المطروحة علي ثلاث مرتكزات أساسية، سوف تكون محور فكرها بصفة دائمة: 1 إن التكاليف التي ستنجم عن تطبيق أي من هذه البرامج، سيبذل أقصي ما في الجهد لتجنيب أو التخفف قدر المستطاع من أثرها المباشر علي طبقات المجتمع الأدني. 2 إن وسائل المواجهة ستوضع في خططها الأولوية للعلاج علي المدي القصير، والذي سيكون تمهيدا أو مقدمة للتعامل علي مدي الأجلين المتوسط والطويل. 3 ولعل ذلك يستدعي البدء بالقضايا الملتهبة وذات النتائج السريعة الاستجابة في ذات الوقت، مما يعطي من جرعة ثقة ومسحة تفاؤل لدي جميع الأطراف المشاركة، الصانعة منها والمتلقية، وفي منتصف الطريق سوف نجد أن الكثير من المعضلات المستعصية قد أصبحت قابلة للحل، أو علي بعد خطوات قليلة منه. الوضع المالي الحالي بالمنظومة الاقتصادية ينتظر أن تتعدي قيمة العجز المالي بالموازنة العامة للدولة في العام المالي المنتهي في 30 6 2013 مبلغ 200 مليار جم بنسبة تتجاوز 11% من الناتج القومي المحلي، أي بما يقترب من 4 أمثال النسبة المعيارية العالمية وقد انعكست قيم هذا العجز السنوي علي مدار السنوات السابقة دون أي محاولة للتصدي لها، وبالتالي حققت تلك التراكمات السنوية مديونية محلية بلغت 1244 مليار جم في 30 6 2012، يخص الدين الحكومي وحده منها مبلغ 996 مليار جم وقد نجم عن تلك المديونية تحميل نفقات الموازنة بمبلغ 130 مليار جم عبارة عن مصروفات خدمة هذا الدين فقط، وبنسبة بلغت 25% من اجمالي نفقات الموازنة، في حين بلغ المخصص للدعم والمعاشات معا مبلغ 146 مليار جم بنسبة 27%، وفي الموازنة المنتهية في 30 6 2013 تم رصد مبلغ 133.6 مليار جم قيمة الفوائد المستحقة للدين، بخلاف 93.5 مليار جم أقساط مستحقة السداد، وفي تقرير لمجلة الايكونوميست أشارت إلي أن مصر تعبر ثاني أكبر الدول المدنية بعد اليونان وإسبانيا بمديونية بلغت 1.2 تريليون جم بنسبة 86% من إجمالي الدخل القومي. المواجهة تأسيسا علي المرتكزات الأساسية السابق الإشارة إليها، فمن الممكن أن تأخد مواجهة هذا الوضع الوسائل التالية: 1 من خلال خارطة بنود الموازنة العامة وحجم أرقامها وموقعها سنجد أن بوصلة الاهتمام لابد أن تتجذب بقوة تكلفة الدين العام والتي تبلغ 133.6 مليار جم بانتهاء الموازنة الحالية في منتصف عام 2013، وهذه التكلفة وحدها تتجاوز إجمالي مرتبات العاملين بالدولة، والذي يبلغ 136 مليار جم وتقترب من الرقم المخصص للدعم 146 مليار جم. وضخامة هذا الرقم إنما تعود في تقديرنا إلي سببين رئيسيين: أولهما حجم المديونية الهائل، وثانيهما الارتفاع الكبير جدا في متوسط أسعار الفائدة لأدوات الدين، خاصة خلال الفترة الماضية، والتي بلغت في الحد الأدني لها نحو 14% سنويا، علما بأنه يحتسب 20% علي تلك النسبة كضريبة عائد أذون خزانة وقد يكون ذلك أحد المبررات وليس بالضرورة أهمها لارتفاع تكلفة الاقراض علي ذلك النحو المعقول مقارنة بأسعار الفائدة العالمية وفي نفس الوقت وعلي نحو مغاير تماما سنجد أن أعلي متوسط لسعر التكلفة الاجمالية لتوظيف البنوك لأموالها لا يتعدي بأي حال من الأحوال نسبة 7.5% "شاملة نسبة الاحتياطي النقدي المودعة لدي البنك المركزي بدون فوائد" وبذلك يكون صافي معدل الربح بعد خصم نسبة تكلفة التوظيف في استثمارات آمنة تماما ممثلة في أذون خزانة، بمعدل مخاطرة يساوي صفرا "3.7" كحد أدني، وهي نسبة مرتفعة للغاية بكل المقاييس المتداولة، وتفسر تلك الأرباح الضخمة التي تحققها البنوك دون أي مخاطر تذكر، وتتمثل وظيفتها في هذه الناحية في القيام فقط بدور الوسيط بين العميل المودع وبين البنك المركزي مصدر الأذون والسندات. فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يرفع البنك المركزي شعار "الوسطاء يمتنعون" وهو بصدد طرحه لتلك الأوراق من أدوات المديونية؟ بصورة أخري نري أن يتم التوسع في الطرح للأفراد الطبيعيين والاعتباريين، من خلال النزول بالحد الأدني للقيمة داخل العطاء الواحد لتبلغ علي سبيل المثال مبلغ 5000 جم، وأن تكون هذه القيمة علي هيئة صكوك معفاة من الضريبة، وبسعر متوسط للأذون لمختلف الآجال 7.25% علي سبيل الافتراض، إن هذا الاجراء وحده ومع تغيير هيكل المديونية الناشئة عن اصدار الأذون علي نحو جذري خلال فترة استحقاقات تلك الأداة يمكن أن يوفر في ضوء البيانات المتاحة مبلغ 14.9 مليار جم من بند نفقات الدين، أي أكثر من ضعف ما يتوقع تحصيله من ضرائب طبقا لما جاء بالقانون المؤجل تنفيذه وهنا ستلعب السياسية النقدية في تعاملاتها مع الفائدة دورا بالغ الأهمية في هذا الصدد كما سيكون لمعدل التضخم السنوي دور مؤثر.. كل ما في الأمر أن تشكل لجنة فنية لبحث هذه الرؤية. القروض الميسرة 2- وفي خط آخر مواز لهذا الاتجاه، فسوف يكون من الأهمية البالغة الحرص علي استكمال المباحثات مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول علي القرض موضوع التباحث، خاصة مع الظروف السياسية المستجدة، فهو من ناحية يعتبر قرضا ميسرا للغاية، سواء من حيث الأجل أو من حيث السعر، كما أن شروطه أصبحت أقل حدة عن ذي قبل، وصار هناك مساحة مرنة لاختيار البرامج المناسبة التي هي في النهاية تعتبر في صالح التصويبات الاقتصادية الحتمية التي لا مفر منها والتي تتخذ بكامل الإرادة الوطنية، إن هدف تقليص عجز الموازنة من 11% من الدخل القومي إلي 8% فقط، هو بكل المقاييس مطلب اقتصادي وطني قبل أن يكون مطلبا مفروضا من قبل الصندوق. إن من شأن الحصول علي ذلك القرض استبدال ديون قصيرة الأجل ومكلفة بأخري أقل حدة، حيث يصل متوسط صافي سعر تكلفة القرض المحلي الذي تتحمله الخزانة نحو 7،5 مثل تكلفة سعر قرض الصندوق، مما يرفع عن كاهل الموازنة الكثير جدا وسوف نجد أن هذا القرض بإمكانه وحده توفير فرق فائدة محملة علي الخزانة العامة للدولة في السنة الأولي قدرها 2،9 مليار جم، مع الأخذ في الاعتبار دائما أن التوسع في القروض الأجنبية له حساباته القومية الخاصة وهذه القروض ولها توازناتها مع حجم الصادرات السلعية والخدمية، ومع رصيد الاحتياطي الأجنبي الذي تحتفظ به الدولة، ومع أي مصادر إيرادات أخري بالعملة الأجنبية. ونفس الأمر يمكن أن يتم مع الدول العربية الشقيقة، سواء من خلال حكوماتها أو صناديقها التمويلية، وذلك من منطلق توازنات استراتيجية في المنطقة يجب المحافظة عليها من أجل الجميع، مع الاعتقاد العميق أن الموافقة علي قرض الصندوق سوف يكون إشارة البدء، والتي علي ضوئها أيضا سيتطلب الأمر من القائمين علي الإدارة الحكومية تكثيف التباحث مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة من أجل إسقاط بعض الديون الخارجية، وفي ظل قناعة هذه الدول بوجود بلد في حجم مصر يتمتع بثقل ثابت ومتوازن وبضرورة أن ينعم بالديمقراطية والحرية، ويكون بعدا أمنيا كدول الشمال والغرب، ومركز إشعاع حضاري وسطي تمتد آثاره علي جميع بقاع المنطقة، وبما يحقق مصالح جميع الأطراف. ترشيد الموازنة 3- ومازالت المواجهة مستمرة مع ترشيد نفقات الموازنة، وسيبرز عند هذا المنعطف بند الدعم كأحد الخيارات المستهدفة دائما، رغم أنه يعتبر في أدبيات نشأة الحكومات هو العنوان الرئيسي لمعني سعي الحكومة إلي تحقيق العدالة الاجتماعية بين مختلف طبقات الشعب، وهذا الدعم بلغت مخصصاته نحو 118 مليار جم في الموازنة الحالية، منها 28 مليارا للسلع الغذائية و85 مليارا للمنتجات البترولية (السولار - البنزين - البوتاجاز) و5 مليارات للكهرباء، وقد سبق أن طرحنا رؤية في هذا الصدد يمكن عرضها علي النحو التالي: أ- من مسلمات هذا البند أن أجهزة الحكومة لا تملك أي سيطرة علي توجيه أي - بند من بنود الدعم الواردة بالموازنة إلي من يستحقه بالفعل، وبالتالي يصبح في أحيان كثيرة- دعما مشوشا، قليل الفاعلية والتأثير من حيث الهدف الموجه إليه ومن ثم الاستفادة منه، وصار كزبد البحر يذهب جفاء برغم تكلفته العالية وعلي سبيل المثال فإن كل طبقات المجتمع يمكنها شراء الرغيف المدعم، فبيعه متاح للجميع، ولولا وجود بعض الموانع الذاتية لدي الطبقات غير المستحقة له مثل تجنب الوقوف في الطوابير أو اعتقادهم بعدم العناية الكافية بخبز الرغيف، لفقد هذا النوع من الدعم طريقه المرسوم تماما، وهكذا.. ورغم كل ذلك فإنه يستحيل الغاء الكثير من تلك الدعوم أو تقليص البعض الآخر منها، وذلك نظرا للتدني الكبير لدخول الطبقات الفقيرة من المجتمع واتساع رقعتها وإنما الأمر يستدعي فقط بذل كل الجهد من أجل تعظيم الاستفادة من الهدف المرصود لهذا الدعم، وتقليل الفائض أو المتسرب منه، ومن أمثلة ذلك وضع الآليات الكفيلة بتوحيد الأسعار المدعمة في السوق، والتي تكفل نسبة نجاح عالية في توجيه الدعم بدقة إلي من يستحقه بالفعل. ب- أما إذا اقتربنا أكثر فسنجد أن دعم الطاقة هو دائما المستهدف باعتباره الأكثر حجما، إلا أنه دائما ما يستتبع توفير لبعض من تلك الدريهمات لصالح الموازنة انفجار موجة من التضخم السعري تشمل كل ما يتداول في السوق، باعتبار أن له صلة بصورة أو بأخري بالطاقة ومنتجاتها. ولسوف يكتشف المختصون أن هذا النوع من الدعم الوارد بالموازنة أرقامه محسوبة بتوجه معين يجعلها غير حقيقية ومبالغًا فيها، حيث اعتبر الدعم هو الفرق ما بين السعر العالمي الذي يباع به المنتج في الخارج وبين السعر المحلي المباع به في الداخل، وهذه مغالطة أرادت به حكومة العهد السابق خلط الأمور لكي تظهر حجم التضحية ذات الطابع الاجتماعي الذي تقدمه لطبقات الشعب المحروم، بينما في الحقيقة يحسب الدعم في مثل هذه الحالة علي اعتبار أنه قيمة الفرق بين التكلفة الحقيقية للمنتج المحسوبة علي الموازنة، وبين السعر المباع به في الداخل، أي مقدار ما تتحمله الموازنة بالفعل، وفي هذه الحالة نعتقد أنه لن تتعدي تكلفة الدعم 30 مليار جنيه علي أكثر تقدير وليس كما جاء بالموازنة مبلغ 85 مليار جنيه، وهو ما سوف يكون له تأثير إيجابي كبير علي خفض العجز. ج- إن دعم الصناعات الكثيفة للطاقة يبلغ نحو 6 مليارات جنيه، وهذا المبلغ يمكن توفير جزء كبير منه في ظل تحمل الأرباح -البالغة الوفرة لتلك الشركات المعنية.. لتكلفة تحريك هذا الدعم، ولكن ذلك يتطلب أولا وأخيرا تواجد سوق محلية منافسة نظيفة تماما، كما يتطلب الأمر كذلك التشديد علي محاربة جميع صور الاحتكار بكل الوسائل المتاحة، ومن خلال التوسع الأفقي في إقامة هذا النوع من المشروعات لمنتجين ومنافسين جدد، ومن خلال شركات قطاع الأعمال العام بعد تطوير إداراتها وهياكلها الإنتاجية، ولعل هذا البديل سيعد الأفضل دائما لكسر باب الاحتكار والتحكم في الأسعار من خيار فتح باب الاستيراد، لأسباب عديدة، لعل أهمها الحفاظ علي العمالة القائمة. ويتبقي لنا تحفظ علي هذه الجزئية الأخيرة، وهو ما يتعلق بالصناعات التصديرية المعتمدة علي الطاقة المدعمة، فهذا من شأنه إيجاد ميزة تنافسية في السوق العالمي تعود بالنفع في النهاية لصالح الميزان التجاري المصري، وعلي كل فالأمر متروك لمزيد من البحث والدراسة من حيث معقولية الأرباح المحققة من وراء تصدير لتلك المنتجات، مع ضرورة الحفاظ علي الخط الفاصل الذي يحفظ دائما التفوق علي منافسيه بالخارج. والمرجو في هذا الشق تحديدا أن يكون حديث الصباح والمساء لفريق الإدارة الحكومية هو الإسراع باستكمال شبكة توصيل الغاز الطبيعي لجميع المنازل والمصانع بجميع الأنحاء، ووضع جميع التسهيلات المالية والفنية أمام جميع وسائل النقل العام والخاص لاستعمال الغاز الطبيعي بديلا عن الوقود الحالي، كما سيتعين بذل مجهودات كبيرة للبحث والاستكشاف عن آبار جديدة للغاز. 4- ويأتي بند الاستثمارات الحكومية كأحد البنود التي تستدعي ضرورة الوضع الحالي التعامل بكفاءة اقتصادية عالية، وفي هذا افإننا نري ما يلي: * عدم الدخول في أي استثمارات جديدة إلا بعد الانتهاء من الاستثمارات التي تم رصدها من قبل ولم تكتمل بعد، حيث إنها تصبح استثمارات مهدرة طالما لم ينتفع بها بعد، والاستثناء من ذلك يكون في حدود ضيقة جدا. * في إطار وضع ضوابط محددة بدقة، يمكن تشجيع الأفراد علي القيام بعمليات محدودة في مجال البنية الأساسية ذات المنفعة العامة، والتي يكون المجتمع في حاجة إليها فعليا، مقابل إعفاءات محدودة من ضريبة الدخل، مع مراعاة أن تكون تكلفة التمويل أو التبرع أضعاف قيمة هذا الإعفاء، تشجيعا للعمل التطوعي من ناحية، وتوفيرا لنفقات حتمية كانت ستنفقها خزانة الدولة. * من الممكن إعداد دراسة لتحديد موارد الإنفاق الاستثماري التي يكون مصدرها موارد الخزينة العامة، وتوجيهها نحو الاستثمارات ذات العائد الاجتماعي بالدرجة الأولي، أما الاستثمارات التي لها عائد اقتصادي في المقام الأول، فيمكن في هذه الحالة تمويلها بالعجز، حيث يمكن بمنطق رجل الأعمال المقترض من البنوك - من سداد هذا التمويل من العائد المتولد عن تلك الاستثمارات، وعلي هذا يمكن سداد العجز الناشئ عن هذا النوع من التمويل ذاتيا، وفي نفس الوقت إقامة مشروعات تلبي حاجات ملحة للمجتمع وتوجد فرص عمل جديدة. "سبل تنمية إيرادات الخزينة" وفي هذا المجال ربما يكون للصورة العامة لتداعيات عجوزات الموازنة علي مدار السنوات السابقة، وتداعياتها علي الدين الحكومي وقد وصل إلي مرحلة التفاقم ما يستنهض الهمة ويحفز العقل وموروثات التجارب، لاعادة طرح حزمة من الرؤي والتصورات والاجتهادات العملية علي النحو التالي: 1 دعم التطوير المؤسسي والبشري لجهاز الضرائب من أجل رفع كفاءة تحصيل الضرائب المستحقة، وتعزيز الجهات الرقابية بالهيكل الاداري للجهاز تكون مهمتها الأولي بحث ومراجعة أي ملفات ضرائبية يلحقها التأخير، ورفع تقارير عنها علي مدار اليوم، كما سيكون من الضروري تعاون الاجهزة القضائية عند إحالة أي قضايا ضرائبية، وسرعة البت فيها بجميع الوسائل الممكنة، واعتبار ذلك واجبا قوميا. 2 هناك بعض أنواع من الضرائب سبق إلغاؤها في السنوات الماضية ولم تترك أي أثر إيجابي لدي المواطن العادي من هذا الإلغاء، وفي نفس الوقت خسرت خزانة الدولة مئات الملايين جراء هذا الإلغاء، وهي في حاجة إلي كل جنيه منها في الظرف الراهن، وربما يكون من استفاد من هذا الاجراء لا يستحق ذلك، وأخيرا فإنه لو رجعنا إلي الوراء قليلا وقمنا بقياس أثر هذا الالغاء الضرائبي علي مستوي الاسعار المتداولة في ذلك الحين، وتتبعنا معدلات التضخم السعري، فإننا سنفاجأ بأنه لا أثر مطلقا لهذا الالغاء الضريبي علي اتجاهات معدلات التضخم بالكبح، وأن معامل الارتباط بينهما يكاد يساوي صفرا، وأنه كان من الأجدي قبل اتخاذ مثل هذا القرار أن يتم بحث تلك المتغيرات بشكل أعمق بكثير، حيث ضاع علي خزانة الدولة ما يقدر بمليارات الجنيهات عليمدار تلك السنوات الماضية دون أي أثر اقتصادي أو اجتماعي، وهنا يجب ألا يفهم أننا ننهج فكر صندوق النقد الدولي القديم في هذا المضمار من منطلق الجباية بشكل مطلق دون أن يلقي بالا لأي اعتبارات، وهو ما سنشير إليه لبعض من تلك الانواع من الضرائب: * الدمغات المصرفية ومن أمثلتها: دمغة الشيكات وإيصالات الصرف علي السحب النقدي بجميع وسائل الصرف مثل السحب من ماكينات الصرف الآلي، وأقترح هنا أن تكون في حدود واحد جنيه لكل عملية صرف، ودمغة فتح الحساب في البنك وتكون في حدود 25 جنيها، ودمغة كشف الحساب وتكون في حدود واحد جنيه، والدمغة علي طلبات إصدار خطاب الضمان أو طلبات الاعتمادات المستندية وتكون في حدود 10 جنيهات. * الدمغة النسبية علي الكمبيالات والسند لأمر، وقد كان السبب الرئيسي لالغاء تلك الضريبة هو تشجيع التعامل بتلك الأوراق كأدوات ضمان بدلا من استعمال الشيك في هذا الغرض، وذلك بعد صدورقانون الشيك الاخير لكي يقتصر تعامل الشيك حينئذ علي انه أداة وفاء فقط وليس أداة ضمان، أما السبب الآخر الظاهري فهو تخفيف الاعباء المالية في التعاملات التجارية، إلا أنه بعد تعديل قانون الشيك بناء علي رغبة عارمة من جميع المتعاملين في السوق تم التحايل علي عودة الشيك كأداة من أدوات الضمان مرة أخري، بالاضافة إلي كونه أداة وفاء، وتم ذلك من خلال جعل الشيك المسطر مرهون صرفه بتاريخ تحريره، أي يصبح شيكا آجلا، وبمعني آخر أداة ضمان لاستحقاقات آجلة، أما التخفيف المزعوم للاعباء المالية عن تعاملات التجار، وبالتالي إنعكاس ذلك علي تخفيض الاسعار فلم يحدث مطلقا، وضاع علي خزينة الدولة مئات الملايين من الجنيهات تعدت المليارات وضلت طريقها ودخلت جيوب التجار ولم يشعر بأثرها المواطن، لذا نري عودة تلك الضريبة، وتكون في حدود 6 من الألف من قيمة الورقة التجارية. * تفعيل قانون الضريبة العقارية بعد اجراء التعديلات المطلوبة وتحسينه بما يتناسب مع الظروف الاجتماعية السائدة، ومن المنتظر أن تغل هذه الضريبة وحدها نحو مليار جنيه. * الإلغاء النهائي لجميع الإعفاءات الضريبية الواردة بقانون ضمانات وحوافز الاستثمار، فقد ثبت خرافة تلك المقولة التي تزعم أن جذب أي استثمارات سواء أجنبية أو داخلية يعتمد بشكل أساسي علي الاعفاء الضريبي، فلم يكن هذا الاعفاء في أي يوم من الايام هو الجاذب أو المشجع الأول ولا الثاني علي الاستثمار، وإنما هناك عوامل أخري سياسية واقتصادية وبينية ومجتمعية وأمنية وجغرافية وبشرية هي التي يبني عليها قرار الاستثمار، وسنكرر في أسي انه كم ضاعت المليارات من الجنيهات علي خزانة الدولة بسبب هذا القانون السطحي. * إعادة النظر في ضريبة الدخل، خاصة بالنسبة للشرائح الأعلي، علي أن يتم ذلك بشكل مدروس دراسة عميقة الأثر، ولا يحمل معه أي هزات عنيفة أو قفزات واسعة قد تضر أكثر مما تنفع. * التأكد من أن جميع الإعفاءات الجمركية الممنوحة بموجب اتفاقيات التجارة الحرة مع جميع دول العالم تسري علي صادراتنا لهذه الدول بنفس نسب الإعفاء. هذا ما قد نراه صوابا فيما ننظر إليه تجاه الوضع المالي للاقتصاد القومي، ونأمل أن تتعامل معه الادارة الحكومية بكل الجد، وأن يكون مادة للحوار المثمر الذي يصل بالوطن إلي بر الأمان، وعلي رجاء التواصل لطرح الرؤي حول مواجهة قضايا الوضع النقدي والوضع التقني للجانب الآخر من الاقتصاد، وكلنا نأمل في غد أفضل.