ليس ما أعنيه مؤشر الاقتصاد وإنما مؤشر الراديو، وهو التردد الذي تبث منه محطات الإذاعة. وقد عشت ما سبق من عمري المهني، ثابتة علي مؤشر واحد لا أغيره أبدا، وهو مؤشر الإذاعة البريطانية. أضبط عليه الراديو في المنزل، حتي إذا استيقظت فجرا، أفتحه مباشرة وأحيانا حتي قبل أن أغسل وجهي وأسناني وأتوضأ.. لدرجة أن زوجي في بداية حياتنا الزوجية ضاق ذرعا بعادتي هذه التي تقض مضجعه وهو الذي يدخل إلي سريره في ساعة متأخرة من الليل، وبمجرد أن ينال منه الكري، توقظه خشخشة الراديو وضجيجه، وقد أطلق علي راديو لندن "ضرّته" علي سبيل المزاح مع إن المرأة فقط هي التي يمكن أن يتّخذَ عليها ضرّة..! وكانت لي قصة مع راديو لندن جعلته يصبح علي رأس أولويات حياتي مثل طعامي وشرابي، بل قبلهما في أحيان كثيرة، حتي أنني كثيرا ما كنت أشعر أيام العطلات والأجازات أنه تحوّل إلي مرض يلازمني ولا أفارقه في كل الأوقات . كان ذلك وأنا في أولي سنوات الدراسة الثانوية عندما توفي الرئيس السادات في حادثة الاغتيال الشهيرة، وقد استمعت إلي الخبر بالصدفة من راديو لندن عندما كنت أزور خالي وهو أستاذ فلسفة ومثقف تونسي معروف في تونس. وفي نفس اليوم كان لي موعد مع صاحب جريدة محلية تدعي "شمس الجنوب"، هي الوحيدة التي كانت تصدر آنذاك في مسقط رأسي مدينة صفاقسالتونسية، وكنت أعشق الصحافة وأمنِّي نفسي بالفوز بفرصة العمل رغم كوني تلميذة والمتقدمون إليها يفوقونني سنا وخبرة، وعندما سألني صاحب الجريدة "سي علي البقلوطي" هكذا كنا نطلق عليه، عن آخر خبر سمعته ومن أي وسيلة إعلام، أجبت: "اغتيال الرئيس المصري أنور السادات وأذاعته البي بي سي منذ قليل" وما كان من الرجل إلا أن ابتسم وهنأني قائلا: "هناك حادثة مروعة لانتحار فتاة من عائلة صفاقسية شهيرة في باب البحر اذهبي وتقصّي الخبر!" وكانت تلك إشارة منه ببداية العمل . منذ ذلك التاريخ وإذاعة لندن معي حيثما ذهبت، وفي السنوات الأخيرة أصبح تليفزيون البي بي سي هو الصديق في المنزل، وفي السيارة أدير المؤشر علي الإذاعة.. واستمر ذلك الروتين الجميل إلي أن غيرت المؤشر مؤخرا! ظهر راديو مصر منذ نحو أربع سنوات، وقد كنت أبحث عنه في البداية للتأكد من الأخبار المصرية، حيث ولد عملاقا لأنه كان يسبق حتي وكالة أنباء الشرق الأوسط والوكالات العالمية في إذاعة الأخبار المهمة "البريكنج نيوز" كما يقال بالإنجليزية وكان الراديو يقطع برامجه ويذيع الخبر ثم تأتي المتابعة، وظل الطفل العملاق يكبر في سرعة البرق بحرفية واقتدار، فسبق القنوات التليفزيونية والوكالات. ثم توسع في برامجه الخدمية فأصبحنا نعرف منه حالة الشوارع والحركة المرورية ونختار علي ضوئه الطرق التي نسلكها وتلك التي نبتعد عنها. كما نتعرف علي حركة القطارات والمطارات، والبورصة، ونشرة الخضراوات، وحالة الطقس إلي جانب البرامج، الخفيف منها والدسم، جميعها تحترم المستمع وتلتزم بالحيادية. وقد استمعت مؤخرا إلي الزميل العزيز، القدير محمد علي خير يقرأ رسالة من مستمع عفوا كان يشتمه وكان "خير" يقرأ "شتيمته" بنفسه!.. كما أنني ثمّنتُ جدا أن يكون أول خبر في النشرة ليس سياسيا بالضرورة، بل إن نوع الخبر هو الذي يفرض نفسه. وكان أول خبر في أحد الأيام القريبة الماضية هو وفاة الكابتن الجوهري، حيث قطع الراديو برنامجا كان يستضيف وزير الإعلام صلاح عبد المقصود ليذيع خبر الوفاة ويستضيف مباشرة من الأردن لاعبين ومدربين من تلامذته هرعوا لزيارته وهو علي فراش المرض في العاصمة عمان مثل الكابتن حسام حسن.. وقد أشرقت جهود الزميل الإعلامي القدير ماهرعبد العزيز يحيي في تجويد الخدمة الإذاعية، منذ توليه مهمته، ولعل أبرز ثمارها هذا الكم الكبير من المشاركة المجتمعية وردود الفعل الفورية من الوزراء والمسئولين علي الأحداث جنبا إلي جنب مع المواطنين.. فتحية إليه وإلي زملاء أصبحوا أصدقاء لأذني وعقلي دون أن أعرف أغلبهم: فؤاد فواز، نرمين البنبي، أشرف الزيات، علاء بكر، محمد أبو المجد، نسرين عكاشة، سارة عبدالباري، رامي سعد، مصطفي عبد الفتاح، محمد شاهين،سهام نصار، طاهر أبوزيد، دينا صلاح الدين وأشرف صبري..والعظيمة صاحبة الصوت الذهبي الرصين "أميمة إبراهيم" وغيرهم ممن لا تسعفني الذاكرة علي استحضار أسمائهم وهم جميعا في لوحة الشرف. ومادام راديو مصر ينير عقولنا وحياتنا فسيبقي الأمل كبيرا في إنتاج إعلام حقيقي صادق..وأخيرا، إذا لم تكن عزيزي القارئ قد غيرت المؤشر بعدُ فأدعوك أن تفعل علي الفور: راديو مصر 88،7!