هناك فرق بين التعليق علي الأحكام القضائية، وبين بحث الآثار المترتبة علي صدور حكم قضائي، فمن الناحية القانونية لا يجوز التعقيب علي الأحكام، ولكن يمكن التطرق إلي معرفة تأثيرات الحكم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أو علي الأقل أخذ العظة والعبرة منه. وأري أن هناك سلبيات وإيجابيات يمكن استخلاصها من الحكم في قضية القرن، والمتهم فيها مبارك ونجلاه والعادلي ومساعدوه، بالإضافة إلي حسين سالم، والذي صدر أول أمس السبت، مع التسليم أنه لا يوجد حتي الآن أي حكم قضائي قد يرضي أطراف الخصومة، لأن تلك طبيعة الأحكام . فمن أبرز السلبيات المترتبة علي صدور الحكم، هي خفوت الأمل في استرداد أموال المصريين المنهوبة، والتي تم تهريبها تهريبا منظما بواسطة بعض رموز النظام السابق، وعدد من رجال الاعمال المقربين والمحسوبين علي النظام، وأبرزهم حسين سالم، ولاسيما أن هناك من طالب بأن يحاكم مبارك وعصابته أمام قاضيهم الطبيعي، وليس في محكمة عسكرية أو ثورية، حتي تكون هناك حجية في المطالبة بالأموال التي نهبوها وهربوها، ويمكن بالتالي استردادها من بنوك الدول التي تم تحويل تلك الأموال إليها خاصة سويسرا، التي تشترط المحاكمات العادلة "للمهربين" وإدانتهم إدانة كاملة، ووفقا لأحكام قضائية نهائية وباتة . فمن الشروط التي تفرضها الدول التي تم تهريب الأموال إليها، وطالبت الحكومة المصرية باسترداد تلك الأموال، أن يصدر حكم قضائي نهائي ضد المتهمين بتهريب وتحويل تلك الأموال إلي بنوك تلك الدول، بل ومحاكمة هؤلاء المتهمين بواسطة محاكم عادية وليست استثنائية أو عسكرية، ولكن حصول حسين كامل ونجلي مبارك، علاء وجمال علي البراءة في الجناية التي كانوا يحاكمون من أجلها، أو عدم إدانتهم في تلك القضية بحجة انقضاء المدة المسقطة للدعوي الجنائية وهي عشر سنوات، سيكون سببا مناسبا وقانونيا في عرقلة محاولات استرداد معظم الأموال المصرية المنهوبة والمهربة إلي الخارج، أو عرقلة تلك الجهود، خاصة جهود جهاز الكسب غير المشروع "البطيئة" وبعض المبادرات الشعبية "المنسية" . وهناك علامات استفهام كبيرة حول عدم إدانة الملياردير والصديق المقرب لمبارك، حسين سالم وكذلك نجلي الرئيس السابق والمحكوم عليه بالمؤبد، فالمادة 15 من قانون العقوبات والتي استند إليها القاضي، والتي تمنع تحريك الدعوي الجنائية ضد أشخاص بعد عشر سنوات من ارتكابهم وقائع فساد، لامحل لها في التطبيق في هذه القضية، إذا تم التمسك بروح القانون، وليس النص الحرفي للقانون، وأيضا إلي مقتضيات العدالة، والاسترشاد بالأحكام القضائية الراسخة، خاصة الأحكام التاريخية لمحكمة النقض، التي تعد نبراسا لكل القضاة، ولاسيما في القضايا التي تحمل أبعادا سياسية وتشغل الرأي العام مثل محاكمة القرن . فعلي سبيل المثال فإن القوة القاهرة إذا تم إثباتها يمكن أن تغير عقيدة القاضي، ولا تدعوه إلي أن يطبق نص المادة 15 علي قضية فساد بعد مرور عشر سنوات من وقوعها، مثلما حدث في السابق في قضايا الحراسات والتأميمات، وبالتالي فإن عدم الإبلاغ عن وقائع فساد حال وقوعها، ولو خلال عشر سنوات، قام بارتكابها نجلا رئيس الجمهورية السابق علاء وجمال مبارك، وأيضا حسين سالم، يعد شيئا منطقيا، فمن كان يجرؤ علي اتهام نجلي رئيس الجمهورية بالفساد، ولاسيما أن جمال مبارك كان يعد كوريث شرعي لوالده في رئاسة الجمهورية، وكان يعامل من معظم السلطات في الدولة كرئيس منتظر، وبالتالي هناك قوة قاهرة كانت تمنع أي مواطن من الإبلاغ عن واقعة فساد يكون مشارك فيها "أولاد الرئيس" أو الرئيس القادم فمن كان سيبلغ بالتأكيد كان سيدخل مستشفي الأمراض العقلية، بعد أن يكون قد زار كل معتقلات مصر "كعب داير" وفقا لقانون الطوارئ . ولكن من الإيجابيات أو العظات والعبر التي يمكن أن نستخلصها من الحكم في قضية القرن، هي الحكم علي مبارك بالمؤبد، ووجوده الآن في سجن طرة مع تابعه العادلي، وهذا في حد ذاته أبرز إيجابيات ثورة يناير، وليس محاكمة القرن فقط.