وأخيرا انعقدت القمة العربية في بغداد في 29 مارس الماضي واعتبر انعقادها إنجازا للعراق بعد أن نجح في استضافتها بعد غياب عنها دام اثنين وعشرين عاما. ولاشك أن عقد القمة في بغداد كان يعني الكثير بالنسبة للعراق، فهو مؤشر علي الاعتراف بشرعية دولة العراق ما بعد الاحتلال، ولكن وخلافا لهذا فإن هذه القمة لم تختلف كثيرا عن القمم العربية التي عقدت من قبل. فقط، قد تكون مختلفة من حيث إن العالم العربي يمر اليوم بظروف استثنائية في ظل ما أطلق عليه ثورات الربيع العربي والتي أدت إلي إسقاط قيادات وإحلال أخري جديدة كما أن هذه التطورات أسفرت عن تداعيات في بعض الدول شملت اضطرابات أمنية وسياسية. قد يري المراقبون أن قمة بغداد قد جاءت علي غرار كل القمم العربية التي عقدت من قبل لاسيما من ناحية القضايا المطروحة والتوصيات التي اتخذت والتي غالبا ما يتم وضعها علي الرف في النهاية دون أي تفعيل علي أرض الواقع.. ولكن يظل هناك فرق شاسع بين قمة بغداد 2012 وقمة بغداد 1990 ليس علي مستوي المشاركة والقضايا المطروحة وإنما علي صعيد أمور أخري، فالعراق اليوم ليس هو عراق التسعينيات.. عراق اليوم هو دولة ما بعد الغزو الأمريكي.. الغزو الذي دخل عنوة وقتل ونهب وسلب واعتقل وعذب وشرد وهتك العرض ودمر البنية التحتية ورسخ الطائفية الإثنية المذهبية، كما أن الامة العربية اليوم قد طرأ عليها أكثر من المستجدات علي رأسها ما سمي بثورات الربيع العربي، ومن ثم تغيرت الصورة حتي بالنسبة للقادة الجدد الذين حضروا القمة. عقدت قمة بغداد فكانت أقل من العادية.. بدا لأول وهلة انها قمة تعارف بين القدامي والجدد في نظر البعض ظهرت قمة مملة باهتة فاترة تماما علي شاكلة الانظمة التي شاركت فيها قد استدعي البعض الماضي عندما كان هناك "القذافي" الذي كان وجوده في حد ذاته يضفي علي القمة جوا من المرح من خلال تعليقاته وردود فعله وملاسناته مع عاهل السعودية وغاب عن القمة "بشار" تنفيذا لقرار جامعة الدول العربية بتجميد عضوية سوريا في الجامعة، ولكن القمة تظل مختلفة عن القمم السابقة حيث كانت القضية المحورية فيها هي الأزمة في سوريا وبالتالي تراجعت القضية الفلسطينية. قمة بغداد سادتها انتقائية في المعايير، فتم تنحية موضوع انتفاضة البحرين التي مضي عليها أكثر من عام من أجل استرضاء البحرين التي أوفدت وزير خارجيتها وبالفعل لم تتطرق القمة إلي ملف البحرين، كانت وزارة الخارجية البحرينية قد نددت في 30 يناير الماضي بتصريحات رجال دين عراقيين حول أحداث البحرين واعتبرتها تدخلا سافرا في الشئون الداخلية ومن ثم عمد العراق اليوم إلي تقديم تنازلات للبحرين من أجل حضوره للقمة تمثلت في عدم طرح قضية الانتفاضة في القمة وعدم تضمين البيان الختامي أي فقرة عن البحرين والاحداث الجارية فيه، علي النقيض رفض العراق تقديم تنازلات للسعودية فيما يتعلق بالملف النووي الايراني مما أدي إلي تخفيض الرياض لمستوي تمثيلها في القمة، كان "سعود الفيصل" قد قال مؤخرا في ختام اجتماعات المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض بأن المشكلة في انعقاد القمة في بغداد ليست أمنية فحسب ولكن هناك قضايا رئيسية يجب أن تتوافر لها الاجواء الايجابية لمعالجتها، مشيرا إلي وجود عناصر في الحكم العراقي تتخذ مواقف مناقضة للمواقف العربية والخليجية من الازمة السورية ومن التدخل الايراني في الشئون الخليجية. ولا عجب أن ظهر التباين في المواقف، فمقابل الموقف العراقي الداعم لسوريا والذي راح يحذر من أن تسليح طرفي الازمة سيؤدي إلي حروب إقليمية ودولية وسيمهد الارضية للتدخل العسكري الاجنبي في سوريا مما يؤدي إلي انتهاك سيادة دولة عربية شقيقة كان هناك موقف كل من السعودية وقطر اللتين خفضتا عن عمد مستوي التمثيل في القمة وكان ذلك بمثابة رسالة إلي العراق بأنهما لا تنظران برضا إلي مواقفها حيال دعمها لسوريا لاسيما وأن كلا منهما طالبت بتسليح المعارضة وتنحية الرئيس "بشار" وهو ما يتناقض كلية مع ما دعا العراق إليه، ولقد أفاض "نور المالكي" رئيس الوزراء العراقي في دعمه للقيادة السورية لاسيما عندما تحدث عن أن المسئولية التاريخية والاخلاقية تحتم علي العرب جميعا العمل علي تطويق أعمال العنف ومحاصرة النار المشتعلة في سوريا والضغط علي طرفي