وضعت كلمة وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الملامح الرئيسية للبيان الختامي للقمة الذي يحمل عنوان "إعلان بغداد" والذي يرفض التدخل الأجنبي في الأزمة السورية ويدعم القرارات الصادرة عن الجامعة العربية بالشأن السوري. وتمحورت كلمة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، والتي لم تكن مدرجة على جدول الأعمال، على مكافحة الإرهاب الذي تعاني منه بعض البلدان العربية وعلى رأسها العراق. كما طالب المالكي الدول العربية الغنية بمساعدة دول الربيع العربي التي تواجه أزمات مختلفة. وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي إن العراق يعود بقوة إلى البيت العربي من خلال القمة. وأكد العربي أن تقريره عن العمل العربي المشترك وتطوير الجامعة العربية سيحظى بنصيب كبير في مداخلته أمام القادة العرب. وحتى قبل بدء زعماء الدول العربية قمتهم في العاصمة العراقية بغداد، رفضت سوريا بشدة أية إجراءات يتخذونها. وقال جهاد المقدسي الناطق باسم الخارجية السورية إن دمشق "لن تتعامل مع أية مبادرة" قد تخرج عن الجامعة العربية المؤلفة من اثنتين وعشرين دولة. ويعكس الرفض امتناع دمشق عن التعاون مع الجامعة بعدما علقت عضوية سوريا عقابا على حملة القمع الدموية ضد المحتجين المطالبين بتنحي الرئيس بشار الأسد. وتقول الأممالمتحدة إنه على مدار العام الماضي قتل أكثر من تسعة آلاف شخص في أعمال العنف. وحث بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة الأسد يوم الأربعاء على سرعة تنفيذ خطة سلام قبلها تدعو الجيش إلى العودة إلى ثكناته. وأضاف بأن متحدثا في الكويت: "أحث بشدة الرئيس الأسد على وضع هذه الالتزامات موضع التنفيذ على الفور. ليس هناك وقت نضيعه". ودعا وزراء الخارجية العرب إلى البدء في تنفيذ خطة سلام مدعومة من الأممالمتحدة بشأن سوريا بعد أن وافق الأسد على الاقتراح الذي يحث على إنهاء العنف لكنه لا يطالبه بالتنحي. ومن المتوقع أن يصدق الزعماء العرب في بغداد خلال اجتماع القمة العربية على اقتراح من ست نقاط من كوفي أنان المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية والذي يسعى إلى وقف لإطلاق النار وإجراء حوار سياسي فيما أطلق عليه "الفرصة الأخيرة" لسوريا. ويدعو اقتراح أنان إلى سحب الأسلحة الثقيلة والقوات من التجمعات السكنية والسماح بوصول المساعدات الإنسانية والإفراج عن السجناء وحرية الحركة للصحفيين والسماح بدخولهم البلاد، لكنه لا يذكر شيئا بشأن تنحي الأسد عن السلطة. وخففت دول عربية فيما يبدو من اقتراحها الأول الذي كان يطالب الأسد بالتنحي بعد أن استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد قرارين يدينان الأسد. وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لرويترز في بغداد إن قبول سوريا الخطة خطوة مهمة جدا وإن هذه هي الفرصة الأخيرة لسوريا ولابد من تنفيذها على الأرض. وتبدو الدول العربية منقسمة بشأن سبل التدخل بقوة في الاضطرابات بسوريا، إذ تعتقد الدول الخليجية وخاصة السعودية وقطر أن الحل في تقديم السلاح لمعارضي سوريا، بل وإقامة "منطقة آمنة" داخل البلاد يمكن أن تعمل منها المعارضة. أما العراق الذي يستضيف القمة فينتهج موقفا أكثر حذرا. يذكر أن حكومة بغداد التي يهيمن عليها الشيعة مقربة من إيران، حليف سوريا الوثيق وتخشى الإضرار بهذه العلاقات. وتحدث وزير الخارجية الليبي عاشور بن خيال عن "مأساة أشقائنا في سوريا الذين يواجهون نظاما مستبدا بينما يتفرج العالم دون أن يحرك ساكنا، ما نشهده في سوريا كل يوم هو إبادة جماعية ضد شعب ذنبه الوحيد هو أنه طالب بالحرية والكرامة". وتضغط دول الخليج العربي، لاسيما السعودية وقطر، خلف الكواليس من أجل خطوة أكثر حزما لإنهاء الصراع المستمر منذ عام في سوريا. وخلف الأبواب المغلقة، لا ترى هذه الدول جدوى من جهود الجامعة العربية الرامية إلى التوصل لتسوية سلمية، وتفضل في المقابل أن تتحالف مجموعة صغيرة من الدول لاتخاذ إجراءات من جانبها. ومن بين الخيارات التي تدرسها، تسليح الثوار وإقامة منطقة آمنة للمعارضة بمحاذاة الحدود التركية-السورية لتكون ممرا إنسانيا أو منطقة انطلاق للقوات المعارضة للنظام. وتأمل دول الخليج التي يحكمها السنة أن يتمكنوا بإسقاط الأسد من انتشال سوريا ذات الغالبية السنية من تحالفها مع إيران وإحداث فجوة في حزام نفوذ طهران الذي يمتد عبر العراق وسوريا إلى البحر المتوسط. وستهدي سوريا تحت حكم سني دول الخليج العربي الحليفة للولايات المتحدة نصرا مهما في صراعها الطويل الأمد مع إيران الشيعية غير العربية. إلا أن هذا التصور يثير قلق العراق، في ظل الانقسامات الطائفية بين غالبية شيعية تستأثر الآن بالسلطة وأقلية سنية ساخطة بسبب تهميشها. وفي علامة على علاقاتها الباردة مع القيادة الشيعية في بغداد، فإن غالبية حكام البلدان الخليجية - إن لم يكن جميعهم - لن يحضروا على الأرجح القمة وسيرسلون مسئولين منخفضي المستوى. ولن يحضر العاهل الأردني الملك عبد الله وهو سني أيضا، القمة وسيرسل رئيس وزرائه عوضا عنه حسبما أعلنت الحكومة. وكان العراق أشد ما يكون لهفة لاستضافة القمة كي يظهر للعالم أنه نهض من سنوات الاضطرابات والاحتلال الأمريكي، لكن عملية أمنية واسعة في بغداد تعكس المخاوف من أن يحاول مسلحون سنة إرباك الاجتماعات. وكانت منطقة وسط بغداد خالية تقريبا من الناس الأربعاء، مع نشر مئات القوات المدججة بالأسلحة الثقيلة ورجال الشرطة. وتعقد القمة في قصر كان يستخدمه الرئيس العراقي السابق صدام حسين ويقع داخل المنطقة الخضراء، وهي منطقة آمنة للغاية على الضفة الغربية من نهر دجلة، والتي يوجد بها أيضا مكتب رئيس الوزراء والسفارتان الأمريكية والبريطانية.