صباح أمس اختنق الطريق الزراعي بين القاهرة والإسكندرية.. والسبب لم يكن قطع الطريق من قبل محتجين أو غاضبين مثلما يحدث كثيرا هذه الأيام بعد أن أصبح قطع الطرق والسكك الحديدية وغلق الشوارع أبرز وسائل الاحتجاجات.. ولكن كان السبب هو طوابير السيارات، خاصة سيارات النقل، التي امتدت علي طول الطريق أمام وقبل وبعد محطات التموين بالوقود. وهكذا عادت أزمة الوقود تطل برأسها من جديد بعد أن داهمتنا منذ بضعة أسابيع قليلة مضت فقط وتصورنا خطأ أنها انتهت إلي الأبد ولن نعيشها مرة أخري.. الأزمة بدأت أولا بالسولار ثم امتدت إلي البنزين بكل أنواعه المختلفة.. كما بدأت في الأقاليم والمحافظات المختلفة ثم انتقلت إلي القاهرة لتعم البلاد كلها حيث تؤثر الآن علي المخابز، ومراكب الصيد وكل وسائل النقل سيارات ركاب وسيارات نقل بضائع. وكالعادة المسئولون يبدون دهشتهم من اندلاع هذه الأزمة لانهم كما يقولون يضخون كميات تكفي وتزيد علي الاستهلاك من الوقود.. ويحملون السوق السوداء سبب هذه الأزمة ويتهمون من يهربون البنزين والسولار بأنهم أوجدوا هذه الأزمة الجديدة مثلما أوجدوا الأزمة السابقة التي لم ننساها بعد.. يضيف هؤلاء المسئولون أيضا سببا آخر للأزمة هو شائعات زيادة أسعار الوقود التي انطلقت في أعقاب الاعلان عن دراسة البرلمان لتخفيض دعم الوقود، وهو ما اقترن زمنيا بزيارة وفد صندوق النقد الدولي للبلاد لبحث حصولنا علي قرض من الصندوق مقابل الانفاق علي برنامج اقتصادي يستهدف تخفيض عجز الموازنة الذي يقتضي تخفيض دعم الوقود. وبالطبع لا يمكن انكار وجود بعض مظاهر للسوق السوداء في الوقود، خاصة في السولار ثم البنزين.. فلا يمر الآن يوم دون ضبط كميات ليست قليلة من السولار والبنزين المهرب أو الذي يباع في السوق السوداء. كما اننا لا يمكن أن نتجاهل تلك الانفاق الموجودة في سيناء بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية والتي يتم عبرها تهريب كل شيء ومن بينه السيارات المسروقة وأيضا الوقود المهرب، خاصة أن قطاع غزة بعد توقف إسرائيل عن ضخ الوقود لها عانت من أزمة وقود قبل أن نعاني نحن في مصر من الأزمة. ولكن مع ذلك كله فإننا لا نستطيع أن نقبل بسهولة تصريحات هؤلاء المسئولين التي تنكر وجود نقص في امدادات الوقود.. فالأزمة أي أزمة تحدث نتيجة وجود نقص في المعروض.. وعندما يحدث نقص المعروض تبدأ ظواهر السوق السوداء في السلعة تظهر.. أي أن السوق السوداء تكون نتيجة وليست سببا للأزمة.. ولذلك ليس حل أزمة الوقود في تشديد العقوبات علي تهريب أو بيع السولار والبنزين في السوق السوداء.. قبل ذلك يجب توفير كميات تناسب الطلب عليهما في السوق. عبدالقادر شهيب