ربما يكون اقتصاد الهند في حالة ازدهار ونمو قوي ولكن كثيرا من أبناء الشعب الهندي لايزالون فقراء، بل يعيشون تحت خط الفقر. ومنذ أيام اعترف رئيس الوزراء مانموهان سينغ بأن علي زملائه في الحكم أن يشعروا بالعار والخجل لأن أكثر من 40% من أطفال الهند يعانون من سوء التغذية وأن عليهم أيضا أن يشعروا بالاهانة بسبب ارتفاع معدلات وفيات الأطفال ومعدلات الأمية ونقص مياه الشرب النظيفة وغير ذلك من النواقص التي يعاني منها الهنود الفقراء. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن الفقر له عدة أسباب وليس له علاج بسيط أو سهل. ولكن المشكلة المنتشرة بكثافة في الهند هي أن قلة من الفقراء فقط هم الذين يحملون بطاقات هوية تحدد شخصياتهم وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. أما أغلبية فقراء الهند فإنهم لا يحملون جوازات سفر ولا رخص قيادة ولا أي دليل علي عناوين مساكنهم التي يقيمون فيها بالفعل. فهم يعيشون في القري وكثيرون منهم يتسمون بنفس الاسم. وعدم تملك هؤلاء لبطاقات هوية يبعدهم كليا عن الاستفادة من الاقتصاد الحديث. فهم لا يستطيعون فتح حساب مصرفي وليس هناك بالطبع من هو غبي لكي يثق فيهم ويقرضهم النقود أو يزودهم بما قد يحتاجون من ائتمان صغير. ورغم أن الحكومة تحاول أن تقدم لهم مختلف أنواع الرعاية فإن افتقادهم لبطاقات الهوية يحرمهم من هذه الخدمات. فالحكومة الهندية تنفق الكثير علي دعم الحبوب من أجل الفقراء ولكن ثلثي هذه الحبوب المدعمة يتم سرقته أو يفشي عن طريق الوسطاء. وعلي سبيل المثال فإن الهند تدفع سنويا 8 مليارات دولار لايجاد فرص عمل أمام فقراء الريف الهندي، ولكن جزءا غير يسير من هذا المبلغ يدخل جيوب صغار المسئولين الذين يعدون كشوف عمالة مزورة ولا وجود لها أصلا ويصرفون لها الدعم المقرر ليضعوه في جيوبهم هم. ولو افترضنا أن هؤلاء الوسطاء كان عليهم أن يقدموا السلع المدعمة لأفراد بذاتهم يمكن اثبات وجودهم ولو ببصمة الاصبع. ولو فرضنا أن كشوف العاملين صارت كشوفا حقيقية يمكن اثبات شخصية كل فرد مقيد بها. ولو فرضنا أيضا أن كل فقير هندي صارت له بطاقة هوية ورقم قومي غير قابل للتكرار أو التزوير وذلك ضمن قاعدة بيانات مستوفاة من كل الوجوه فإن ذلك كله سيجعل من الصعب علي الأقوياء سرقة فقراء الهنود. وقد شكك الكثيرون طويلا في قدرة الحكومة الهندية علي وضع مثل هذا النظام لأنها ببساطة تعد في رأيهم حكومة عاجزة. ولكن ثبت أن هؤلاء المشككين والمتشككين كانوا علي خطأ. ففي شهر يناير من العام الجديد 2012 أصبح عدد الهنود المسجلين في نظام الرقم القومي يناهز 200 مليون شخص ومع نهاية العام سيصبح العدد كما يقول ناندان نايلكاني رئيس مشروع الرقم القومي الهندي 400 مليون نسمة أي نحو ثلث سكان الهند وذلك علي الرغم من أن تنفيذ هذا المشروع لم يبدأ إلا في أكتوبر 2010. ومن المعروف أن نايلكاني هو أحد كبار الخبراء الهنود في صناعة البرمجيات. وقد حدث هذا الانجاز رغم أن التسجيل في مشروع الرقم القومي لايزال اختياريا ولكن فقراء الهند صاروا متحمسين له بقوة. ويصطفون في طوابير طويلة لتقديم بصمتهم سواء بصمة العين أو بصمة الاصبع وتسجيل أنفسهم وكل بياناتهم فيما يعتبره الخبراء أكبر قاعدة بيانات سكانية في العالم. لقد صار في مقدور فقراء الهند بعد حصولهم علي بطاقة الرقم القومي البحث عن فرصة عمل في أية ولاية لأن بيانات كل هندي مسجلة علي الشبكة الهندية القومية ويسهل الحصول عليها في حين أن بطاقات الهوية القديمة لم يكن معترف بها إلا داخل الولاية الهندية التي أصدرتها. وهناك مشروع رائد آخر بدأ في ولاية جارخاند شرقي الهند يستهدف ربط بيانات كل شخص بحساب اليكتروني للتعرف عليه جيدا عند اللزوم. وبسبب آخر أكثر أهمة وهو أن يتلقي كل شخص علي هذا الحساب الاليكتروني ما يستحقه من مدفوعات حكومية أيا كان نوعها (أجور، معاشات، إعانات.. الخ) أما عبر بنك أو حتي متجر مشترك في هذا المشروع علي مستوي كل قرية. وهكذا سيمكن استبعاد العمالة الوهمية من أي مشروع وحتي من الجهاز الحكومي الهندي المتضخم والذي يضم 20 مليون موظف. أما الوسطاء الذين اعتادوا علي السرقة فلن يتمكنوا من السرقة مرة أخري وحتي لو حاولوا فسيسهل كشفهم ومحاكمتهم. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن ذلك كله ليس سوي مجرد بداية. ففي ظل هذا النظام نظام الرقم القومي بعد