عندما سرق اللصوص الغطاء النحاسي لسقف المكتبة العامة في حي ويست نوروود جنوبلندن وتركوا المياه تتسرب إلي داخل المكتبة وتتلف جزءا مما فيها من كتب، استنتج البوليس البريطاني أن ثمة علاقة بين هذه السرقة وبين ما يموج به الاقتصاد العالمي من تغيرات جعلت أسعار خام النحاس تقفز إلي أعلي بسرعة الصاروخ، لقد كانت جرائم سرقة النحاس في بريطانيا تتزايد مع تزايد أسعاره العالمية في أسواق المواد الخام وشملت هذه الجرائم سرقة كابلات القطارات وأسلاك شبكات الاتصالات والسخانات الكهربية وأجهزة التكييف والأنابيب النحاسية وغيرها وقد كان واضحا أن اللصوص متابعون لحركة الأسعار في الاقتصاد العالمي ومخططون جرائمهم علي ضوئها. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن كثيرا من الخبراء علي جانب آخر صاروا يدللون النحاس باسم "دكتوركوبر" اعتقادا منهم بأن حالة أسعار هذا المعدن تصلح كمختبر للتنبؤ باتجاهات الاقتصاد العالمي والحقيقة أن هذه الرؤية تنطوي علي قدر كبير من الصواب، فالنحاس كما نعرف موصل جيد للحرارة والكهرباء، ولكن استخدامات النحاس لا تقتصر علي صنع الكابلات والأنابيب وإنما هو يدخل في صنع أشياء كثيرة، فسيارة الركوب يدخل في صناعتها في المتوسط 25 كيلو جراما من النحاس والأجهزة الإلكترونية من الكمبيوتر الشخصي إلي التليفون المحمول فيها مكونات نحاسية، وانتشار استخدام النحاس في الصناعة علي هذه الصورة معناه أن زيادة الطلب علي النحاس مؤشر للانتعاش في قطاعي التشييد والصناعات التحويلية بمختلف أنواعها. وقد لوحظ أن الطلب علي النحاس وهن في بدايات الأزمة المالية العالمية ولكنه سرعان ما استرد عافيته مع نهاية عام 2008 سابقا ببضعة شهور عودة الانتعاش إلي البورصات العالمية من جديد والآن تتكرر هذه الظواهر مرة أخري فمع انتشار المخاوف من احتمال ارتداد العالم إلي الركود الاقتصادي العميق من جديد هبط انتاج النحاس إلي أدني مستوي له منذ 10 أشهر. ومع ذلك فمن الملاحظ أن أسعار النحاس صارت أقل حساسية للتقلبات الصاعدة والهابطة في اقتصادات العالم المتقدم وصارت مرتبطة الآن بصفة أساسية مع حركة الاقتصاد الصيني، ففي عام 2003 وقبل أن يتضح مدي ثقل الاقتصاد الصيني وتأثيراته كان سعر طن النحاس أقل من الفي دولار ولكنه قفز في غضون 8 سنوات ليصبح سعره 10 آلاف دولار للطن هذا العام قبل أن يرتد ليصبح الآن تحديداً 8400 دولار للطن وهذه الزيادة انعكاس لحركة النمو الصناعي والمديني في الصين التي تستهلك وحدها 40% وفي تقديرات أخري 50% من الإنتاج العالمي للنحاس. وتقول الأرقام إن حجم الإنتاج العالمي من هذا المعدن بلغ 16 مليون طن في عام 2010 وأن الطلب العالمي علي النحاس ينتظر أن يزيد بأكثر من 40% ليصبح نحو 27 مليون طن خلال عام 2020. والحقيقة أن النحاس ليس هو المعدن الوحيد الذي يشعر بوطأة الطلب الصيني فهناك معادن أخري تتحرك أسعارها صعودا وهبوطا مع حركة الطلب الصيني.. ولكن النحاس يواجه أيضا مشكلات من ناحية العرض، ومنذ نحو 10 سنوات أي في بداية انتعاش حركة الشراء الصيني للمعادن بدأ قادة كبريات شركات التعدين والمناجم يقولون إن أسعار المعادن كلها تتجه للارتفاع ولكن النحاس بالذات كان يعبر عن جوهر المشكلة التي تواجههم والتي تتعلق أيضا بجانب العرض، فالاكتشافات المهمة لمناجم النحاس الجديدة قليلة وتتركز في شمال وجنوب أمريكا واستراليا. كما أن الإنتاج السنوي لمنجم اسكونديدا الشيلي أكبر مناجم النحاس في العالم بلغ ذروته (1،5 مليون طن سنويا) في عام 2007 والمنجم الجديد الوحيد الذي يضاهي منجم اسكونديدا هو منج أوبو تولوجوي في منغوليا وهو تابع لشركة ريو تينتو ولن يبدأ في انتاجه التجاري إلا عام 2013 ولن يتجاوز انتاجه نصف إنتاج منجم اسكونديدا. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن أي انتاج إضافي من النحاس سيعتمد بدرجة كبيرة في المستقبل علي مناجم أصغر حجما وبالتالي أقل انتاجاً من المناجم الكبري الراهنة كما سيكون الخام مدفونا علي أعماق بعيدة عن سطح الأرض