مرت علينا 200 يوم علي قرار إعادة فتح البورصة من جديد وعودتها للتداول اعتبارا من مارس الماضي، ومنذ عودة التداولات والديناميكية مستمرة في العمل بصورة تستحق الرصد والتحليل فقد شهدنا العديد من الظواهر التصور أن علي رأسها التحركات الإيجابية لأول مرة في تاريخ البورصة من قطاعاتها المختلفة خاصة من جانب المستثمرين. فبعد أعوام من التجاهل والضغوط والاختلافات والمخالفات شهدنا للمرة الأولي حراكا مجتمعيا تحول إلي ما يشبه التكتلات من صغار المساهمين لتوحيد جهودهم أمام سيطرة عدد محدود من كبار المساهمين علي مجالس الإدارات والجمعيات العامة بما يعتبر من منجزات ثورة يناير ويمكن ملاحظة ظواهر كثيرة في هذا الحراك علي رأسها استخدام الفيس بوك كوسيلة للتواصل وعدم وجود قيادات موحدة لهذه التجمعات وغياب عنصر الخبرة القانونية والمالية عنها وهو أمر يستلزم أن يتوازي مع إحياء فكرة إيجاد اتحاد عام للمستثمرين بسوق المال المصري للدفاع عن مصالحهم وحقوقهم. كشف هذا الحراك في الفترة الحالية عن ضرورة إعادة النظر في قوانين الشركات وسوق المال لوضع بنية تشريعية أكثر تناسقا مع معطيات المرحلة الحالية خاصة أنه في الفترة الأخيرة كان هناك اندفاع واضح من بعض المستثمرين أدي إلي الإساءة لشركات لم تكن مخطئة فليس كل تراجع لسهم ما يرجع إلي تلاعب أو مخالفة كما أن الهيئة العامة للرقابة المالية مطالبة خلال الفترة الحالية بتوضيح ضوابط حماية صغار المساهمين ودورهم وآليات الحصول عل حقوقهم مع مراجعة عدد من البنوك القانونية الخاصة بهذه الموضوعات تمهيدا لتعديلها خلال الفترة القريبة القادمة. الأمر الآخر اللافت للنظر كان في التحركات واسعة النطاق من الهيئة العامة للرقابة المالية التي استخدمت أسلوبا جديدا في التطوير استهدف الحفاظ علي طبيعة الدور الرقابي مع الانفتاح في حوار مجتمعي مع الجمعيات والمستثمرين في ظاهرة قلما تتكر في البنية الاقتصادية المصرية مما نتج عنه قرارات أكثر فاعلية علي رأسها السماح بإصدار الصكوك وتعديل قواعد الإفصاح وتشديد تطبيق قواعد القيد ووضع ضوابط مشددة لزيادة رؤوس الأموال وعمليات شراء أسهم الخزينة والإفصاح لأول مرة عن هياكل الملكية وذلك بخلاف إصدار قرارات رقابية مشددة لضمان الحفاظ علي استقرار السوق وضمان تطبيق القوانين وقواعد الحوكمة. إلا أن هذا الانفتاح غير المسبوق كشف عن ضرورة إعادة صياغة قوانين سوق المال المصرية واللوائح التنفيذية مع ضرورة العمل علي توسيع الحالات التي يغطيها قانون سوق المال ليضم جميع الإجراءات التنفيذية لتجنب أن يتم تطبيق إجراءات طبقا لتقدير السلطة الرقابية مع ضمان الحفاظ علي المنهج الإصلاحي الحالي لسوق المال المصري. لقد كان من أبرز ما شهدته البورصة في الأيام الماضية أن السيولة قد تراجعت كثيرا منذ عودة التداول وعزي البعض ذلك للمخاوف الاستثمارية وحالة الترقب إلا أن الجميع قد أجمع علي أن البورصة المصرية افتقدت خلال الأعوام الماضية إلي قوة دافعة رئيسية موجودة في الأساس المالي لكل الأسواق العالمية وهي الطروحات الجديدة التي تعد القوة الدافعة المستمرة لاجتذاب السيولة لسوق الأوراق المالية في كل دول العالم كما أنها تعد محور الدور التنموي والتمويلي الذي تقوم به أسواق المال في إيجاد قيمة مضافة للاقتصاد بحيث تخرج عن فكرة كونها سوقا للمضاربات إلي الإطار الاقتصادي المتعلق بتمويل المشروعات الجديدة وإيجاد مناخ لتجميع المدخرات لتمويل المشروعات التوسعية والنموية من خلال منظومة اقتصادية أكثر عمقا عما هي عليه الآن في مصر. عنصر مهم آخر يجب النظر إليه وهو أنه في الفترة الماضية غاب عن السوق إيجاد سوق موازي أو سوق أولي بالنسبة للشركات التي ترغب في طرح أسهمها للاكتتاب عند التأسيس وهو أمر يستلزم وضع ضوابط مشددة بهذا الخصوص مع توفير الفرصة للشركات لتمويل استثماراتها من خلال سوق المال المصرية في وقت تتشدد فيه البنوك في منح هذا التمويل مما لا يخدم عنصر النمو الاستثماري المطلوب في هذه المرحلة. أتوقع أن تسهم هذه الطروحات الجديدة في انعاش السوق وعودة المستثمرين الأفراد الذين خرج بعضهم خلال المرحلة