أخذت أضحك من قلبي وحفيدي يعلمني كيف أتواصل مع أصدقائي في أنحاء العالم من خلال "الفيس بوك". وغمرتني وجفات من سعادة هائلة هربت بها من ضجيج الأخبار المتناثرة كالشظايا حولي من قنوات التليفزيون.. أما سبب السعادة التي ملأت قلبي فهي زؤيتي لمعرض أخير لصديقي الفنان غير العادي بسمي ميلاد إبراهيم المقيم بقرية تامبا بولاية فلوريدا الأمريكية.. فالمعرض عبارة عن سميفونيات لونية يندر فيها التشخيص، ويزيد فيها التوازن الدقيق. ولا يمكن أن نتصور الحياة دون ألوان تعزف موسيقاها في القلب وتغسل الوجدان مما يعلق به من أدران يومية. ومن يرقب عشق بسمي للسحاب في بلد مثل فلوريدا يمكنه أن يري تأثير السحاب الملون علي لوحاته، فكأنه يصمم في كل لوحة سماء خاصة تحملنا علي أجنحتها بعيداً عن الأرض، لنعود من بعد ذلك إلي الأرض وكأننا قابلنا فوق سحاب ملائكة تغسل القلب من الحزن وتزرع في الروح آمالا بأننا قادرون علي تخطي الصعاب. ولعل بسمي لا يعلم أن من علمني الدخول إلي موقعه علي الفيس بوك هو حفيدي ذو الستة أعوام، وهو من يقضي معي بعضا من الوقت علي الشاطئ بالساحل الشمالي، وكان خائفا من النزول إلي البحر فهو كطفل قاهري يفضل حمام السباحة.. ولكنه اقتنع أخيراً بالنزول إلي البحر، فثني ذراعيه وكأنه علي وشك الدخول في معركة، فتذكرت علي الفور صورة الفنان بسمي حين يستعد للرسم فهو يثني ذراعيه بنفس الطريقة، ويقبل علي اللوحة وكأنه يعيد خلق العالم السعيد. نعم دنيا الألوان هي دنيا من موسيقي شديدة الخصوصية يقدمها كل فنان بأسلوبه.. ولعل إصرار بسمي علي أن يعرض في موقعه الإلكتروني بعضاً من اللوحات للمرأة بجمال وكمال تفاصيل الجسد، لعل هذا الإصرار هو الذي يقول لنا إن فنان التجريد التعبيري ليس بعيداً عن قدرات المصور العظيم الذي يجسد أشخاصا في لوحاته، وهكذا صارت من مفردات أي فنان تجريدي أن يقدم في نفس الوقت بعضاً من لوحاته التي يشخص فيها جماليات التشخيص حتي لا يلقي الاتهام بأن التجريد التعبيري هو مجرد عبث، وليس لغة موسيقية تريح الأعماق عبر العين. شكراً أيها الجليل الجميل بسمي.