كان المصريون المهاجرون للعمل في دول الخليج النفطية ينتقدون ظاهرة الشغالات الآسيويات في البيوت الخليجية، ويتندرون علي الاعتماد عليهن في تربية الأبناء، حتي أنهم أصبحوا "مهجنين"، بمعني ينطقون اللغة العربية "مكسرة" ويستخدمون عبارات هندية، أو فيلبينية أو بنغالية أو أندونيسية، حسب جنسية الشغالة التي تتولي تربية الأبناء، كما أن أمزجتهم في الطعام، أصبحت مليئة برغبات دخيلة عن الثقافة الغذائية في تلك البلدان الخليجية، وذلك طبيعي بالنسبة لأطفال يعيشون المراحل الأولي من تكوين شخصيتهم مع "شغالة" آسيوية، وهذا لا يعني التشكيك في الشغالات، فالكل يجمع علي قدرتهن علي الأداء الرفيع وتمتعهن بذكاء وفطنة وكفاءة وضمير صادق ولكن القضية أن الشغالات أصبحن هن الأمهات البديلات، بثقافة مغايرة، ولغة مختلفة، وسلوكيات هجينة، ولن أتحدث عن وجود حالات من الانحراف، والحوادث.. لأني لا أقصد الاستثناءات.. فلكل قاعدة شواذ. والأمر لم يقف عند هذا الحد، لأن ظاهرة الشغالات الآسيويات انتقلت إلي مصر، بل أضيف إلي تلك الجنسيات، جنسيات إفريقية أخري. والجديد الآن أن "النخبة" الاقتصادية، والثقافية ممن لديهم الموارد والوسائل لاستيراد "شغالات" أصبحت تعتمد عليهن في إدارة المنازل والعائلات، بما في ذلك تربية الأبناء. وقد تصادف أن اتصلت يوم الجمعة الماضية بصديق، يتميز مثلي بالاستيقاظ مبكرا، وهي حالة الأقلية في مصر، فوجدته برفقة أبنائه في النادي، حيث يشرف بنفسه علي تدريبهم الرياضي، وقد استرعي انتباهه مراراً أن من يتواجد في النادي صباحا هن الشغالات الآسيويات والأفريقيات اللائي يصاحبن الأطفال أثناء اللعب وخلال حصص التدريب الرياضي. وبجولة سريعة في نوادي القاهرة الرياضية المرموقة، كنادي الجزيرة والصيد وهوليوبوليس والزهور.. وسماش، يمكن أن نتأكد أن الشغالات هن الأمهات البديلات، وهن اللائي يعرفن كل صغيرة وكبيرة عن الأطفال، الذين أصبحوا بدورهم يعرفون عن الشغالات أكثر مما يعرفون عن أمهاتهم، ويتشبعّون بطباعهن، ولغتهن، وسلوكياتهن أكثر من تأثير الأم والبيت ويتعلقون بهن بشكل عاطفي وحميمي. وقد حكت لي صديقة كيف أن الشغالة الأندونيسية، احتلت مكانة في الأسرة أهم من أي فرد آخر، حيث يعتمد عليها كل أعضاء الأسرة في ترتيب الملابس، وتتلقي "الأوامر" والرغبات والمواعيد بكل حرص ودقة.. وتتولي الشغالة إيقاظ الأبناء مبكراً، ومساعدتهم في ارتداء ملابس المدرسة، وتحضير السندويتشات وربما تصاحبهم لانتظار أتوبيس المدرسة.. ثم تتوجه مبكراً للسوق، أو السوبر ماركت برفقة السائق لشراء احتياجات البيت، وهي الأكثر معرفة بتلك الاحتياجات حيث تدونها في ورقة، حتي يسهل عليها تذكر ما هو مطلوب.. ثم تشرف علي عملية إعداد الطعام للغذاء.. وهكذا.. حتي يعود الأطفال من المدارس، فتبدأ رحلة جديدة معهم، حيث تشرف علي نظافتهم وأكلهم. وتلك الساعات الطويلة التي يقضيها الأبناء مع "الشغالة" إنما هي خصم من رصيد الأم.. وللأمهات أن يتساءلن.. لماذا هذا النقد الموجه إليهن.. وعدم توجيه نقد مماثل للآباء.. فاليوم المرأة تعمل مثل الرجل، وأعباؤها كأم وزوجة هي نفس أعباء الأب، بل وربما أكثر. وهذا كلام معقول أيضاً، لولا أن الأم هي المربية الأولي، والمؤثرة الرئيسية في حياة الأبناء وياحبذا لو يساعد الأزواج في تربية الأبناء، ولكنّ الغالبية لا يفعلون. وقد تتاح لبعض الآباء المثاليين الفرصة والوقت لتولي بعض المهام بدلاً عن الأمهات.. وإذا تيسر ذلك فهذا يكون أفضل بكثير من تولي الشغالات لتلك المسئوليات التربوية، لأن المفترض أن يصيغ الأهل شخصيات أبنائهم بما يرتضونه، لكن غياب الأهل وتخليهم عن هذه الأدوار المهمة، يدل علي إنسحاب، بلا وعي، لن تبرره الأسباب والظروف المختلفة.. لأن الأطفال في المحصلة النهائية أصبحوا صناعة آسيوية.. والخوف.. أن تصبح المرأة الآسيوية هي القدوة لدي الرجال المصريين. عندئذ لن تلوم النساء إلا أنفسهن!