عوَّدت إسرائيل العالم علي أنها الدولة الاستثناء التي يحق لها الخروج عن كل الأطر والمعايير المعمول بها دولياً وبالتالي يباح لها ممارسة أي فعل حتي لو كانت الإبادة الجماعية واختراق السيادة والتجسس دون أي حساب أو عقاب أو مساءلة، فلقد منحت الحصانة للأبد. ** إسرائيل واستراتيجية التجسس لا شك أن قلقاً عارما اعتري إسرائيل من جراء التغير الذي طرأ علي وجه مصر السياسي في أعقاب ثورة 25 يناير سنة 2011 وظهرت انعكاساته في إعادة صياغة مصر لعلاقاتها مع الكيان الصهيوني وما لبثت الصفعات أن توالت ففتح معبر رفح وتم التوصل إلي مصالحة فلسطينية وصدرت تلميحات بإمكانية إعادة العلاقات مع إيران، ولهذا لم تتوان إسرائيل فشرعت في استغلال التحولات هذه من أجل الولوج إلي الساحة المصرية وتنفيذ كل ما تريده ومن ثم جاءت واقعة الجاسوس "إيلان جرابيل" الذي حاول اختراق صفوف الشباب في ميدان التحرير وعمد إلي التحريض وتأجيج الفتنة الطائفية لهز الاستقرار والإضرار بالأمن القومي المصري ولا غرابة فلقد أرادت إسرائيل من خلال جواسيسها الهيمنة علي الموقف وتحريكه صوب مصالحها فكان أن تبنت نهجا استراتيجيا يرمي إلي تكثيف أسلحة التجسس والهدف تقويض الأمن المصري أدوات مصرية. ** "إيلان" جاسوس الموساد لم يكن "إيلان" هو الأول الذي تبعث به إسرائيل إلي مصر كجاسوس محترف للموساد وإنما سبقه آخرون، ويحمد لمصر يقظة أجهزتها الأمنية التي نجحت في الكشف عن ضابط الموساد ليتم احتجازه والتحقيق معه وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبسه في 12 من يونيو الحالي علي ذمة التحقيقات بعد اتهامه بالتجسس لصالح الموساد، فلقد حاول تجنيد عدد من المصريين لجمع معلومات تتعلق بأوضاع مصر الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية إن واقعة الجاسوس "إيلان" تستدعي قضية "عزام عزام" الجاسوس الإسرائيلي الذي اعتقل في مصر في نهاية أغسطس سنة 1997 وحكم عليه القضاء المصري بالسجن 15 عاماً وظل رهن الحبس إلي أن أجبرت مصر علي إطلاق سراحه في ديسمبر سنة 2004 بعد الضغوط التي مارستها إسرائيل والمناورات التي حاكتها إلي الحد الذي رأينا فيه شارون يومها يهدد بأنه سيعتبر مصر خارج المسار السياسي والسلمي إذا لم تبادر وتفرج عن جاسوس الموساد "عزام عزام"، وكأنه هو المنوط بتحديد الدور الذي تلعبه مصر ونسي أن دور مصر يحدده التاريخ والجغرافيا وليس رئيس وزراء إسرائيل. ** قانون الاستثناء عن القاعدة يغيب عن إسرائيل أن تصريحات مسئوليها في كل مرة يتم اعتقال جاسوس لها هي بمثابة المهزلة لأنهم بواسطتها يريدون تجاوز منطق الأمور والإطاحة بكل القواعد القانونية ومعايير الديمقراطية وسيادة القانون، فشارون يومها لم ينس جاسوسه ومن ثم عمد إلي تجديد المطالبة بإطلاق سراحه بأسلوب صفيق، أراد يومها تمرير صفقة يقبل فيها بخريطة الطريق وبدور مصر في عملية السلام مقابل اطلاق سراح الجاسوس، وبالمثل تتكرر القصة اليوم ونري كيف تعمد إسرائيل إلي معالجة قضية الجاسوس "إيلان"، فهي تريد اطلاق سراحه بأي ثمن ولايهمها أن تصادر حق مصر في حماية أمنها القومي والدفاع عنه والحفاظ عليه من أن يخترق بجواسيس الموساد، إسرائيل لم تتغير تتعامل مع العرب بأساليب ملتوية، تنفرد بمواقف مستهجنة تتنافي مع المنطق ولا يهم إذا أطاحت بكل القواعد القانونية وكأنها تستكثر علي العرب أن ينعموا بمعايير الديمقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون، وتنسي أنها تعتقل في سجونها