قرار الدكتور عصام شرف بتجميد تعيين محافظ قنا كان خطوة في الاتجاه الصحيح أدت إلي فض اعتصام أبناء المحافظة، وفتح الطريق لحركة القطارات بين جنوب الصعيد وبقية أنحاء البلاد. وبهذه الخطوة انتهت أيام ثقيلة عاشتها مصر كلها علي أعصابها، وحدث انفراج كبير في الأزمة، وان كان من السابق لأوانه القول إنها انتهت.. بل يمكن القول انه تم نزع فتيل الاشتعال من موقف متفجر وأصبح الوضع ملائما لمعالجة المشكلات الخطيرة التي سلطت الأحداث الأخيرة الضوء عليها بشدة. القرار كان انتصارا - ولو متأخرا - لصوت العقل في مواجهة آراء وتصريحات غير مقبولة ربطت بين ضرورة تنفيذ قرار تعيين اللواء عماد شحاته محافظا لقنا وبين هيبة الدولة وانتصار أو هزيمة ثورة 25 يناير.. وهو ربط خاطئ تماما في تقديرنا.. بل اننا نذهب إلي القول إن الذين اتخذوا قرار التعيين والمسئولين عن المعالجة الخاطئة للأحداث هم الذين وضعوا هيبة الدولة وعلاقتها بقسم من مواطنيها موضع الاختبار، ليس في قنا وحدها، بل في عدد من المحافظات الأخري، كما أن هؤلاء السادة أنفسهم هم الذين تصرفوا بصورة معاكسة تماما لروح ثورة 25 يناير.. بروح تمثل امتدادا غير مقبول اطلاقا لتوجهات عهد مبارك البائد. لقد طالب الشعب بتغيير المحافظين الفاسدين والمشاركين في تزوير الانتخابات، وفي قمع وقتل المتظاهرين أثناء الثورة.. وطالب الشعب بتطهير أجهزة السلطة من فلول النظام البائد.. وطالب الشعب ويطالب بتطهير وإعادة هيكلة وزارة الداخلية، ومحاسبة قيادات الشرطة في عهد مبارك.. وأغلب هؤلاء مسئولون عن الوضع الأمني البائس الذي لا نزال نعيش فيه ولا يصلحون اطلاقا لتولي أي منصب مؤثر في عهد الثورة. الاستخفاف بعقل الشعب.. جريمة فماذا حدث؟ جاءت حركة المحافظين في مجملها لتمثل استخفافا فظاً بعقل الشعب ومطالبه.. وامتدادا لنفس توجهات عهد مبارك.. ترقيات ومكافآت نهاية الخدمة لعدد من لواءات البوليس وفلول الحزب المنحل!! ولعبة كراسي موسيقية بين المحافظات وعلي سبيل المثال: - اللواء مدير أمن الجيزة.. محافظا لمحافظة كبيرة كالدقهلية! - اللواء نائب سيادته.. محافظا لقنا. - اللواء محافظ الدقهلية السابق يتم نقله إلي المنيا. - محافظ الشرقية السابق يتم نقله إلي الفيوم.. ويرفضه الناس فيتم تعيين آخر. - محافظ الاسكندرية.. أحد رموز و"فلول" الحزب المنحل.. وله دور "تاريخي" جعله مكروها أشد الكره في الجامعة التي كان يرأسها "جامعة الإسكندرية". وهكذا وهلمجرا.. أليس هذا عبثا واستخفافا بإرادة الشعب وبعقول الناس؟!! هناك سؤال ساذج لا يستطيع كثير من المصريين الفكاك منه: لماذا يتعمد المسئولون منذ عهد أحمد شفيق غير المأسوف عليه عدم إعلان أية مسيرة مختصرة لحياة المسئوليون الجدد ومسيرتهم الوظيفية؟! لماذا يتم اهمال هذا التقليد البديهي في مصر وفي أية دولة متحضرة؟ ببساطة شديدة.. لأن هناك ما يراد اخفاؤه، أو التعتيم عليه قدر الإمكان.. وبديهي أن هناك من يمتلك سيرة مشرفة.. لكن التعتيم يتم علي الجميع من أجل مداراة سوءات أصحاب السيرة المثيرة للجدل.. فهل في هذا أدني احترام للعقل أو للديمقراطية؟؟ وسؤال آخر: هل عدمت مصر الرجال حتي لا نجد إلا السادة لواءات الشرطة للتعيين في المناصب القيادية المدنية في كل مكان؟؟ نظام مبارك كان يسعي لضمان ولاء أجهزة القمع لديه بتعيين قياداتها في كل مكان.. حتي تمت "عسكرة" مناصب لا حصر لها في كل وزارة وكل محافظة وهيئة اقتصادية.. بالسادة اللواءات السابقين في أمن الدولة والأمن العام.. فهل لدي حكومة الدكتور شرف والمجلس العسكري حافز من هذا النوع؟؟ لا نظن.. لكن المسألة أن هناك شخصيات باقية في مواقع مؤثرة في السلطة لاتزال تضع احدي قدميها في عهد مبارك ولا تستطيع أن تري مسألة "السلطة" و"الحكم" بغير هذه العقلية المتحجرة المستبدة.. ونحن هنا نفترض حسن النية.. بمعني أننا لا نفترض أن هؤلاء السادة يريدون أن يضعوا العراقيل أمام المجلس العسكري والحكومة والثورة.. وأنهم لا يريدون أن تستمر أوضاع عدم الاستقرار السياسي والأمني.. وبديهي أن افتراض حسن النية في مثل ظروفنا المعقدة ينطوي علي قدر كبير من السذاجة.. ولكنه حتي بفرض صحته يمكن أيضا أن يقود إلي كوارث.