بينما تتطلع مصر إلي مرحلة اقتصادية جديدة يتم بموجبها بناء حجر أساس علي الأقل إسقاط الديون الخارجية من قبل الدول الكبري وخطط حثيثة لتهذيب الدين المحلي الذي خرج عن حدود المعقول وبينما تلوح في الأفق عدة مبادرات أوروبية تدعو إلي عقد مؤتمر دولي لبحث ذلك استجابة لطلبات رفعها وزير المالية الدكتور سمير رضوان مطالبا الدول بإسقاط بعض الديون وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية ولكن وفقا للمراقبين فإن إجراءات إسقاط الديون عن مصر قد تتطلب جهودا أكبر منها الحاجة إلي موافقة برلمان دول الاتحاد الأوروبي ال27 علي هذا الإجراء، فضلا عن أن قوانين بعض الدول هناك لا تسمح بإسقاط أصل الدين وتكتفي بإسقاط الفوائد فقط، كما أن الرأي العام بأمريكا وأوروبا قد لا يتساهل مع إجراءات كتلك، خاصة مع استمرار تأثر هذه الدول بالأزمة المالية العالمية. والصورة قد تبدو أكثر غموضا لدي الحديث عن الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تقود رسالة الحرية والديموقراطية في العالم حيث يبدو التنازل عن بعض المديونيات المستحقة علي مصر أكثر رمادية فالولاياتالمتحدةالأمريكية التي لم تحتاج إلي استطلاع رأي عام قبل إسقاط الديون عن مصر إبان حرب الخليج الأولي عام 1991 حيث شطبت الولاياتالمتحدة 7،1 مليار دولار في صورة دين عسكري وفوائدها التي تبلغ نحو 750 مليون دولار سنويا وقدمت دول الخليج مبادرة أسقطت بموجبها 9 مليارات من الدولارات. يؤكد الدكتور أشرف سمير أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة أن مبادرة 1991 كانت رشوة سياسية وصفقة أبرمها النظام المصري السابق من أجل المشاركة في توجيه ضربة للعراق لكن الوقت الآن قد يكون مختلفا فالولاياتالمتحدةالأمريكية لابد من أنها ستشارك في خطة إعادة البناء إما بمنح لا ترد أو اعفاء من بعض الديون الخارجية لكن لابد أن يكون الأمل في ذلك ليس كبيرا. فالدائنون - بحسب سمير - يعرفون جيدا أن مصر ليست عاجزة عن سداد هذه الديون وأقساطها في المواعيد المحددة، خاصة أن القيمة الحقيقية للديون تساوي نحو 50% من قيمتها الاسمية، بسبب طول آجال السداد من جهة، وتيسيرات السداد، التي كانت مصر قد حصلت عليها بعد جدولة ديونها لدي نادي باريس، من جهة أخري. ويبدو بحسب سمير أن تجربة مبادلة الديون التي تمت مع الجانب الإيطالي قبل خمس سنوات قد تكون هي الأقرب حينما قامت وزارة التعاون الدولي بالتعاون مع إيطاليا والمتمثل في سداد الدين بالعملة المحلية، الجنيه المصري واستخدام الدولة الدائنة للأموال المسددة في تمويل مشاريع تنموية في مختلف أنحاء البلاد، خاصة المناطق الأكثر فقرا. وسياسيا يري الدكتور إسلام حجازي أستاذ السياسة المساعد بجامعة القاهرة أن لعبة التدخل الخارجي الذي كان يردده النظام السابق يحتاج إلي إعادة صياغة فمعجزة الولاياتالمتحدةالأمريكية التي كان النظام السابق المهترئ سياسيا يرددها يبدو أبعد عن الواقع وكان الهدف منها الانكفاء علي فكر المؤامرة الخارجية والالتفاف حول النظام الداخلي من أجل تدعيم موقفه والصمت عليه وعليه فإن إسقاط الديون والمنح والهبات الدولية لابد أن تستثمر جيدا بعيدا عن الفكر البالي. قال حجازي ان أمريكا ستدعم الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة من أجل بناء مصر وبناء جسور من الثقة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والنظام المصري الجديد قائمة علي التوازن في العلاقات ليس مع شخص واحد كما كان يتم في السابق لكن مع إرادة شعبية واسعة. ويتوقع حجازي أن تقدم أمريكا دعما للاقتصاد المصري ليس في صورة إسقاط ديون فقط بل ومنح ومعونات غير مشروطة لسببين.. المصالحة الشعبية وتحسين صورة الولاياتالمتحدةالأمريكية وفتح صفحة أمريكية شرق أوسطية جديدة بعد الصورة السيئة في أعقاب حرب العراق. قال إن عهد العصا والجزرة قد يحتاج إلي رؤية أكثر شمولية وفكر جديد ومستبعد استخدامه في الوقت الراهن. قال حجازي إن الأمريكيين والأوروبيين لديهم حماس كبير لمساندة مصر يعود لقلقهم علي استقرارها، وبالتالي المنطقة وسط مخاوف من تعرض الاقتصاد المصري لهزة عنيفة، بالإضافة لشعور الجانبين بأنهما خذلا المجتمع المصري في مساعيه للإصلاح السياسي، وتمسكا طوال السنوات الماضية بمساندة نظام مبارك بدعوي الحفاظ علي الاستقرار ومنع التيارات المتشددة من الوصول إلي السلطة.