لم يكن إعادة افتتاح مكتبة الإسكندرية بعد قرون وقرون من حرق المكتبة القديمة لم يكن ذلك نوعا من البحث عن حالة احتفالية يتم فيها توزيع التهاني علي المحاسيب الأتباع، وحين تم اختيار إسماعيل سراج الدين أمينا عاما لها، كان الاختيار نوعا من اكتشاف بصيرة النظر إلي مخاطر الحاضر واستكشاف آفاق المستقبل. وقد عاصرت المكتبة طوال السنوات العشر الماضية، وطبعا كان العمل فيها يختلف عن مكتبة البلدية في أي عاصمة لأي محافظة، فأسلوب العمل بمكتبة الإسكندرية كان إتاحة الحوار بين مصر وبين العالم، ولم يكن أبدا مجرد دخول إلي ردهاتها بحثا عن كتاب مفقود أو نص يصعب الوصول إليه. ولم يكن هناك شخص في بر مصر المحروسة قادرا علي إقامة الجسور بيننا وبين العقول الكبيرة في العالم مثلما كان -ومازال وسيظل- إسماعيل سراج الدين، فالصداقة مع العقول الكبيرة تختلف عن الصداقة مع أصحاب الثروات، ولأن إسماعيل سراج الدين اختار لنفسه من البداية مبدأ الإضافة لكل قيمة بشرية، لذلك لم يبحث عن فائض قيمة في مدخراته الخاصة، لأن مرتبه من المكتبة لا يساوي واحدا علي عشرة من مرتبه الأخير في البنك الدولي، فضلا عن أن خزينة المكتبة تشهد إيداعه لعديد من الشيكات التي وصلته كمكافآت علي محاضرات ألقاها في جامعات العالم، وفوق كل ذلك اقتحم إسماعيل سراج الدين آفاق المستقبل بكتيبة من الشباب وقادة من متوسطي العمر آفاق العصر الرقمي، ويكفي أننا امتلكنا مكتبة كاملة من كل المنشور علي شبكة الإنترنت وكل الأبحاث العلمية والمقالات التي تساعد الباحثين. ولا استطيع حصر وإعداد ما أضافه الرجل، لكن يكفيه شرفا أنه استشرف آفاق العالم العربي بوثيقة الإصلاح التي يظهر من بين سطورها كالنور البازغ آفاق الثورات التحريرية المعاصرة في عالمنا العربي، ويكفيه شرفا أنه أقام مؤتمرا لتجديد وتنقية الإسلام مما لحق بتراثه من تخلف، ويكفيه شرفا أنه أضاء الإسكندرية بثمانية عشر عقلا ممن نالوا جائزة نوبل كي يضيفوا، وهو أول من دعا لمناقشة أزمة المياه، وأول من دعا إلي إلحاق مصر بمعاهدة كشف المفاسد. وعندما يتصدي بعض من معتنقي الجهل النشيط لمكتبة الإسكندرية طالبين تحويلها إلي مجرد مكتبة إقليمية، فوقوف هؤلاء ضد المكتبة شهادة علي تقدمها وشهادة علي تخلفهم. ارفعوا أيديكم معشر مفتقدي التفكير المعاصر عن مكتبة الإسكندرية لندعو السماء أن تطيب التراب غير المرئي المدفونة فيه عقولكم.