الجريمة الإرهابية النكراء التي وقعت أمام كنيسة القديسين في الاسكندرية تكتسب بشاعة مضاعفة من كونها حدثت في يوم عيد، وضد مصلين آمنين خارجين من دار للعبادة كما تتسم هذه الجريمة بخطورة مضاعفة ناشئة عن الأسلوب المتبع في تنفيذها سواء ثبت أنه باستخدام سيارة مفخخة أو بتفجير إرهابي لنفسه، وكلا الأسلوبين جديد علينا. ويخطيء من يظن أن هذه الجريمة موجهة ضد المسيحيين المصريين وحدهم.. فهي تستهدف المصريين جميعا بضرب الأمن والاستقرار من ناحية، وبكونها محاولة خبيثة وشريرة لتمزيق النسيج الوطني المصري واشعال الفتنة الطائفية من ناحية أخري. وبالمعنيين كليهما فإن تلك الجريمة البشعة تمثل اعتداء خطيرا علي الأمن القومي المصري.. ويتعين علينا التعامل معها علي هذا المستوي دون أية محاولة للتقليل من خطورتها، أو لطمأنة النفس وتهدئة الخواطر. وطبيعي أن تثور أسئلة عديدة عن الجهة التي ارتكبت الجريمة ومن يقفون وراءها.. وهل هي "القاعدة" التي هددت أكثر من مرة مؤخرا بضرب الكنائس؟ أم أنه تنظيم إرهابي جديد؟ أم أنه اثبات لنشاط إحدي المنظمات الإرهابية القديمة وما حدود اتصال المجرمين بمنظمات الإرهاب الدولي؟ وهل نحن في مواجهة إمكانية فعلية لظهور موجة إرهابية جديدة كالتي ضربت مصر في التسعينيات.. مع التركيز علي أهداف مسيحية هذه المرة؟ وهناك بالطبع أسئلة أخري مهمة ذات طابع "فني" حول مدي كفاءة الحراسة وعمل الأجهزة الأمنية فيما يلفت النظر مثلا تضارب الروايات حول كيفية تنفيذ العملية "سيارة مفخخة أم انتحاري".. انفجار واحد أهم انفجاران.. الخ والمصادر التي تأخذ عنها الصحافة رواياتها المتضاربة في تلك القضية الحساسة! ورغم تسليمنا بأن أي نظام أمني.. مهما تكن كفاءته.. يمكن اختراقه أحيانا فإن هذا لا ينفي ضرورة مراجعة المنظومة الأمنية المعنية، ومحاسبة المسئولين عن أي تقصير، ومعالجة أية ثغرات يمكن اكتشافها. مخاطر كبري.. ومصارحة ضرورية كل هذه الأسئلة مهمة وتحتاج إلي اجابات واضحة بالضرورة لكن الحقيقة أن هناك أسئلة وقضايا أكبر نحتاج إلي مناقشتها بكل صراحة ومعالجتها بكل جدية، لما لذلك من أهمية قصوي لتحصين الأمن القومي المصري، ولحاضر ومستقبل بلادنا وشعبنا. ** فمعروف أن المنطقة تواجه هجمة أمريكية صهيونية شرسة، لا نظننا بحاجة للدخول في شرح تفاصيلها هنا وحسبنا أن نذكر أن هذه الهجمة تستهدف وبصورة معلنة تفتيت دول المنطقة إلي كيانات عرقية وطائفية صغيرة ومتناحرة يسهل بسط الهيمنة عليها.. وتجري هذه الحملة تحت شعار "الفوضي الخلاقة" الشهيرة. ** ومعروف أيضا أن مصر مستهدفة بوجه خاص باعتبارها كبري الدول العربية وشعبها في موقع القلب من أمته، وكذلك بحكم الأهمية الاستراتيجية الكبري لموقعها واذا كانت كل الحروب قد فشلت في النيل من وحدة وسلامة اقليم الدولة المصرية فإن خطة الاضعاف والتفتيت يمكن تحقيقها من خلال تمزيق وحدة المجتمع المصري المنسجم والمتماسك تاريخيا. ** والسبيل إلي ذلك مطروح بصورة علنية: من خلال اشعال الفتنة الطائفية بين أبناء الأمة من المسلمين والمسيحيين أو بين المصريين من أهل سيناء أو النوبة وبقية أبناء شعبهم الواحد وتحتل مسألة اشعال الفتنة الطائفية المكان المركزي في هذا المخطط الشيطاني وتشير كتابات الاستراتيجيين وتصريحات السياسيين الأمريكيين والاسرائيليين إلي هذه المؤامرة بوضوح كاف. ويكفي أن نتذكر التصريحات الأخيرة للجنرال عاموس يادين القائد السابق لجهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية (أمان) حول استغلال إسرائيل لمناخ (السلام!) مع مصر بعد كامب دافيد لبث سموم الفتنة الطائفية.. أو أن نتأمل مغزي احتضان الكونجرس الأمريكي لأنشطة بعض المنظمات الصغيرة المتطرفة التي تتحرك بين أقباط المهجر. ** وبصراحة تامة فإنه علي ضوء هذه الحقائق الخطيرة بالذات، ينبغي النظر إلي عملية الشحن الطائفي الجارية علي قدم وساق خلال العقود الأخيرة التي تشهد تصاعدا خطيرا خلال السنوات القليلة الماضية، وتثير احتقانا طائفيا متزايدا، لا يلبث أن ينفجر من وقت لآخر في صورة صدامات تختلف أسبابها وتكون تافهة أحيانا لكنها تشترك في كونها تصدر علي خليقة ذلك الاحتقان، ثم تعود فتغذيه، في دورة شريرة تقود إلي ظهور وانتشار التطرف الذي يمثل تربة مواتية لظهور الارهاب في نهاية الأمر. وأدي هذا تدريجيا إلي تسميم المناخ الفكري والثقافي والاجتماعي والإعلامي والتعليم بظواهر غريبة علي مجتمعنا،