بينما تستعد أوروبا دخول العام الجديد وسط سلسلة البيانات الاقتصادية الإيجابية التي أعلنتها بعض دول "منطقة اليورو" خلال العام الحالي إلا أن المسئولين في تلك الدول ما زالوا يكافحون من أجل احتواء أزمة الديون التي اشتعلت في بداية العام الحالي وجعلت اليونان أول دولة من دول اليورو تحتاج إلي حزمة قروض دولية ضخمة بلغت قيمتها 110 مليارات يورو قبل أن تليها أيرلندا لتحصل علي 85 مليار يورو. ومع اقتراب العام الحالي من نهايته لم يتضح بعد عدد دول اليورو التي قد تسقط ضحية للديون السيادية لاسيما أسبانيا والبرتغال كما أنه من غير المعروف إلي أي مدي وصلت الأضرار الاقتصادية الناتجة عن أزمة الديون في بعض البلدان. ويقول جوناثان ليونيه كبير خبراء الاقتصاد الأوروبي في مؤسسة "كابيتال إيكينوميكس" للدراسات الاقتصادية في مجلة الإيكونومست باختصار في حين يبدو أن دول منطقة اليورو تعاملت بطريقة جيدة مع أزمة الديون حتي الآن فما زالت هناك أسباب وجيهة للشعور بالقلق علي أوضاع الاقتصاد خلال الفصول المقبلة. ومن جانبهم يتعامل الكثير من خبراء الاقتصاد بحذر واضح مع توقعات النمو الاقتصادي لدول أوروبا خلال العام المقبل. ويأتي هذا أيضاً في أعقاب تزايد الغموض الذي يحيط بآفاق التجارة العالمية واتجاه العديد من حكومات أوروبا إلي تقليص الإنفاق العام للحد من العجز المالي المتزايد. وتقول المجلة إنه يتزايد حالياً القلق من احتمالات انتشار عدوي الحصول علي قروض الإنقاذ من دول اليورو الأقل حجماً مثل اليونان وأيرلندا وأسبانيا والبرتغال إلي دول أقوي اقتصاداً مثل إيطاليا وبلجيكا. وبالفعل فإن أزمة الديون الأوروبية أظهرت تفاوتاً عميقاً بين دول اليورو حيث توجد تلك الدول التي تعاني تراكم الديون وتدفع أسعار فائدة عالية للغاية عند الاقتراض من أسواق المال العالمية كما توجد تلك الدول ذات الاقتصاد القوي والموقف المالي المستقر مثل ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا وفرنسا صاحبة ثاني أكبر اقتصاد أوروبي. وإذا كانت ألمانيا وفرنسا قد لعبتا دور قاطرة النمو الاقتصادي لمنطقة اليورو خلال العام الحالي فإن الدول التي تصدرت أزمة الديون مثل اليونان وأيرلندا شكلت عقبة قوية في طريق هذا النمو. لذلك فإن الجدل عاد للتصاعد من جديد بشأن سياسة أسعار الفائدة التي يتبعها البنك المركزي الأوروبي القائمة علي أساس سعر فائدة موحد لكل دول المنطقة رغم التفاوت الاقتصادي الواضح بينها. ورغم محاولات جان كلود تريشيه المستمرة في تهدئة القلق بشأن هذه السياسة إلا أن أزمة الديون شكلت جرس إنذار للسياسيين في منطقة اليورو من احتمالات انهيار مما يعد حتي الآن أحد أهم إنجازات مسيرة الوحدة الأوروبية وهو العملة الأوروبية الموحدة مع ظهور دعوات إلي إلغاء العمل باليورو وعودة الدول الأعضاء إلي العمل بعملاتها المحلية. وتشير المجلة إلي أن هناك مخاوف من تداعيات حرب العملات التي تخوضها بعض الدول مثل اليابان والولايات المتحدة والصين في ظل تبادل الاتهامات بالتخفيض المتعمد لقيمة عملات هذه الدول من أجل تعزيز قدراتها التصديرية. ولذلك يتوقع الخبراء انخفاض قيمة العملة الأوروبية خلال العام الجديد علي خلفية أزمة الديون السيادية الأمر الذي سيكون له تأثير إيجابي علي صادرات دول منطقة العملة الأوروبية الموحدة. في ضوء كل ذلك فإن الأمر الذي يظل مؤكداً هو أن اقتصاد أوروبا في انتظار عام يكتنفه الغموض. مصطفي عبد العزيز