مازالت أصداء "صفقة أسرار" فيما يتعلق بالمفاوضات الجارية بشأن إعلان الدولة الفلسطينية تفرض وجودها علي الساحة السياسية في الداخل الإسرائيلي والفلسطيني علي حد سواء، فرزمة الامتيازات التي عرضتها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما علي إسرائيل تبدو أكثر إغراء حيث إن 20 طائرة إف 35 بقيمة 3 مليارات دولار ستزود بالمجان، وتشديد العقوبات ضد إيران، وعدم استخدام الفيتو علي أي قرار مناهض لإسرائيل في مجلس الأمن والوعد بالحفاظ علي الغموض النووي لإسرائيل والتسليم ببناء إسرائيلي في شرقي القدس، والتعهد بعدم الطلب من إسرائيل بتجميد إضافي، كل ذلك في مقابل تجميد البناء في الضفة الغربية لثلاثة أشهر هو أمر غير مقنع أو منطقي، وخطوة غير مسبوقة علي إسرائيل. ورغم أن رزمة الامتيازات هذه تحقق لإسرائيل قدراً هائلاً من المكاسب علي المديين القريب والبعيد غير أن الجدل مازال دائراً بشأنها وبشأن حقيقتها، وعلي المستوي الفلسطيني، فإن صفقة من هذا النوع تؤثر سلباً علي مسار المفاوضات المفترضة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، ومن هنا أبلغ الرئيس الفلسطيني محمود عباس الجانب الأمريكي بأن هناك خمسة أسس للموقف من أي صفقة أمريكية- إسرائيلية محتملة تتمثل هذه الأسس: في رفض الضبط بين الاستيطان والحوافز الأمريكية لإسرائيل، ورفض أي تعهد أمريكي باستخدام الفيتو في الأممالمتحدة ضد أي مشروع قرار بشأن الاحتلال الإسرائيلي، وأن يشمل تجميد الاستيطان مدينة القدسالمحتلة، وضرورة استمرار تجميد الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس طيلة فترة المحادثات، ورفض الفلسطينيين لأي صيغة انتقالية للحل مثل الدولة ذات الحدود المؤقتة وغيرها. علي مدار التاريخ يعرف العرب والفلسطينيين حجم وقوة العلاقة الاستراتيجية بين أمريكا وإسرائيل، منذ وضع وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر مبدأه الشهير عام 1973 بشأن هذه العلاقة والذي يقوم علي جعل إسرائيل أقوي عسكرياً من كل العرب كماً ونوعاً. الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي لم يتوان عن التعبير عن خيبة أمله من موقف الإدارة الأمريكية من المفاوضات المتوقفة عاد وأكد علي خيارات السلطة المتعلقة بانتزاع أمريكي بالدولة الفلسطينية، أو اعتراف من مجلس الأمن بها، ولمح لإمكانية حل السلطة كخيار أخير إذا فشلت كل الخيارات الأخري. بينما تتجه الإدارة الأمريكية إلي الانتهاء من الصفقة التي كثر الجدل بشأنها، وفيما تبقي مفاوضات السلام معلقة تواصل واشنطن مشاوراتها مع نتنياهو لتحديد كيفية استئنافها بعد أن أبلغت الفلسطينيين أنها ترفض أي تحركات عربية لإعلان دولة فلسطينية أحادية الجانب، وتزيد إسرائيل في هذا الوقت من مطالبها مستفيدة من الحماس الأمريكي للعودة إلي المفاوضات المباشرة بالابتزاز المستمر حول أمنها وضمانات طويلة الأمد في هذا الشأن. وفي ذروة الوضع المتأزم هذا بين أطراف المعادلة التفاوضية الفلسطينية وإسرائيل والولايات المتحدة جاءت مصادقة الكنيست الإسرائيلي علي مشروع قانون يلزم أي حكومة إسرائيلية بإجراء استفتاء عام علي مصير كل من الجولان والقدس، بما يفسر أنه تهرب إسرائيلي آخر من استحقاقات ومتطلبات التسوية السياسية للصراع، وتخريب متعمد للجهود التي تبذل لإحراز تسوية، بل ويرسم مشروع القرار هذا علامات استفهام كبيرة حول مصير الحراك الدولي والإقليمي الهادف لتهيئة الأجواء أمام استئناف المفاوضات المباشرة. قانون الاستفتاء هذا تقليعة إسرائيلية جديدة، وهو اختراع لا مثيل له في العالم أو في التاريخ، إذ أن في حالات الاحتلال يجري استفتاء الشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال لتقرر مصيرها، وجري ذلك عشرات المرات خلال القرن الماضي، أما القانون الإسرائيلي الجديد فهو ينص علي استفتاء المحتلين ليقرروا مصير المناطق المحتلة، ومصير الشعب الرازح تحت الاحتلال وهو باليقين رسالة واضحة بأن إسرائيل لا تريد التسويه ولا تريد السلام فالأغبياء فقط سيفاوضون إسرائيل بعد هذا القانون لأنه ينسف أي إمكانية للتوصل إلي حل. إن هذه التطورات تأتي في إطار السباق المحموم علي تغيير الواقع علي الأرض عبر بناء المزيد من المستوطنات واجتثاث أكبر عدد من الفلسطينيين أسنة الأرض الفلسطينية عبر الاستيطان والتهويد، وسن هذا القانون وغيره من القوانين العنصرية يأتي في ذروة سعي إسرائيل لتغيير الميزان الديمغرافي في القدس، فالمخطط الإسرائيلي بعيد المدي يهدف إلي مضاعفة الوجود اليهودي في القدسالمحتلة بحلول عام ،2030 وما يجري ويحدث علي الأرض دون تحقيق هذه الغاية هو مجرد ضياع للوقت والجهد وعبث لا يمكن ضبطه أو تقنينه بأي حال!!