السؤال الذي يفرض نفسه اليوم إلي أين يتجه السودان في ظل موجة الانفصال العاتية التي هبت عليه اليوم بعد أن أطلقها الغرب واسرائيل للنيل منه وتطويقه ولهذا رأينا "هيلاري كلينتون" وزيرة الخارجية الأمريكية تستبق الاحداث وتعلن في أكتوبر الماضي أن انفصال الجنوب بات حتميا أما بريطانيا فنشطت لضمان أن يؤدي الاستفتاء إلي الانفصال وتبعتها فرنسا وألمانيا. الغرب متربص بالسودان وعينه علي تفتيته. وعليه فإن الخوف يعتري الكثيرين إزاء التطورات القادمة، فالانفصال حتما سيثير القلق ولهذا سرت نغمة تحذير من أن يصبح السودان دولتين. * مشروع الكونفدرالية يظل إجراء الاستفتاء يمثل خطورة كبري فهو يحمل بين طياته مستقبل وطن قد ينقسم وشعبا قد يتمزق بين دولتين. هذا فضلا عن أن عقبات لوجسيتية قد تعرقله ومنها ترسيم الحدود وضرورة التوصل إلي حل بالنسبة لتقاسم الموارد. مصر هنا لا تخفي قلقها من الانفصال ولهذا سعت إلي إرجاء الاستفتاء تجنبا لأعمال عنف محتملة يتوقع أن تندلع في اعقابه، ولا غرابة فمصر كانت وستظل حريصة علي الاستقرار في السودان حتي لو أدي الأمر إلي الانفصال، فالسودان مجاور لمصر من الجنوب ويعتبر عمقا استراتيجيا لها ولهذا بادرت فاقترحت علي لسان أبوالغيط وزير خارجيتها تأجيل الاستفتاء وطرح فكرة إنشاء دولة كونفدرالية تجمع الشمال والجنوب معا وتكون لكل منهما أجهزته الحكومية ويجمعهما إطار عام واحد من خلال مجلس واحد بيد أن قيادات الجنوب رفضوا الاقتراح إذ رأوه غير ملائم وأنه جاء في وقت غير مناسب بل رأوه سبيلا إلي تعكير الأجواء بين طرفي الحكم وبالتالي رفضوا تأجيل الاستفتاء فموعده مقدس ولا يمكن تغييره، * الاستفتاء مقدس ولا بديل عنه ولا شك أن مقترح مصر لم ينبع من فراغ فهو ينم عن أن الاستفتاء سيؤدي بالقطع إلي الانفصال وأن الجهود لابد أن تنصب علي تأمين العلاقة بين الطرفين في حالة الانفصال، وأن الكونفدرالية تظل خيارا وارد تطبيقه بعد الاستفتاء واستقلال الجنوب وبعد أن تهدأ النفوس بحيث يجلس الطرفان ويتحدثان غير أن طرح الكونفدرالية لا ولن يكون بديلا عن الاستفتاء حيث إن عدم إجرائه سيعد لدي الجنوبيين نقضا للوعود وخيانة لاتفاق "نيفاشا" الذي وقع 2005. * مخطط تقطيع أوصال السودان الاستفتاء عملية مريبة زاخرة بالكثير من السلبيات بل وستترتب عليه تعقيدات كثيرة جدا. ورغم ذلك فإن تأجيله ليس واردا لأن الجنوب بني حساباته علي إجرائه في التاسع من يناير القادم بالإضافة إلي أن أمريكا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي يدعمونه. بل أن قرار الانفصال قد اتخذ منذ فترة طويلة من قبل الغرب وأمريكا تحديدا التي نجحت في تكريس مبدأ الفصل لدي الحركة الشعبية في الجنوب ومن هنا بات أمرا واقعا. ولكن حتي لو تم الانفصال فستظل هناك مشكلات عالقة يتصدرها تحديد الحدود بين الشمال والجنوب وكذا قضية "أبيي" لقد تزامن مع الجدل القائم حول الاستفتاء قرار فحج اتخذته أمريكا كشفت بواسطته عورتها وذلك عندما أعلنت تمديد العقوبات المفروضة علي حكومة الخرطوم وكأنها تبعث برسالة مزدوجة إلي الطرفين في آن واحد. رسالة دعم وتأييد للجنوب الذي تتطلع إلي انفصاله ورسالة تهديد ووعيد للشمال كوسيلة للضغط عليه من أجل تنفيذ الاستفتاء في موعده والقبول بالانفصال، ولا غرابة فمخطط الغرب الذي تتزعمه أمريكا يرمي إلي تقطيع أوصال الدولة السودانية