لا يوجد تفسير ولا يوجد تحليل للحادث البشع الذي وقع في منطقة كرداسة والمتمثل في مقتل عجوزين كفيفين إلا انه تعبير عن التدهور الحاد الذي نشهده في علاقاتنا الاجتماعية والأسرية والذي وصل إلي مرحلة الشك والخوف والارتياب في أقرب الناس حولنا وأقربهم لنا. فمباحث أكتوبر التي كشفت غموض الجريمة ألقت القبض علي ابنة شقيقة الزوجة التي ارتكبت الجريمة بالاشتراك مع زوجها بدافع سرقة المشغولات الذهبية وبعد ان تناولا الافطار مع العجوزين. ولا أعرف ما الذي يمكن ان يقوله دفاع المتهمين امام المحكمة عندما سيحاول الدفاع انقاذهما وتبرئتهما أو تخفيف الحكم عليهما. فهل سيلقي الدفاع باللوم علي المجتمع الذي أحالهما إلي قاتلين، أم سيرجع الجريمة إلي لحظة جنون مؤقت، أم ان الدفاع لن يجد ما يقوله وسيكتفي بطلب الرأفة معهما لصغر سنيهما. إن هذا النوع من الجرائم يجب ألا تأخذنا في التعامل معه شفقة أو رحمة، كما أن إجراءات المحاكمة لابد ان تكون سريعة وعاجلة لتهدأ روح الكفيفين العجوزين في قبرهما، وليكون المجتمع قد ثأر لهما ممن أتي يحرمهما الحق في الحياة ويستكثر عليهما ان يعيشا أيامهما الباقية في سلام وأمان. فهي جريمة خرجت عن اطار المعقول لتبين وتظهر وتركز علي جحود الانسان وعلي ضياع مفاهيم صلات الدم والقرابة، ولتؤكد اننا في تطور جديد للجريمة يجعل كل شيء مباحا ومستباحا بلا خوف من قانون أو من عقاب في الدنيا أو الآخرة. وتكرار هذه الجرائم البشعة ببرود أعصاب وبلا تردد يثير في نفوسنا جميعا المخاوف من تحولات شرسة مدمرة في الشخصية المصرية تتمثل في الجرائم المتكررة التي تقع كل يوم والتي أصبحت مجرد أخبارا عادية في الصحف بعد ان كانت من قبل حدثا يهز المجتمع كله. فأن يقتل شاب أباه أو أمه هذه الايام لرفضهما الاستجابة لرغبته فإن هذا مؤشر علي ان هذا الجحود وهذا السلوك الشيطاني لم يظهر فجأة وإنما كانت له مقدماته وأسبابه التي تحتاج إلي الدراسة وإلي العلاج، وإلي نوبة صحيان لمجتمع لا يدرك ان الخطر قد أصبح يدق كل الأبواب.