لم تختلف كثيرا القمة العربية الاستثنائية التي عقدت السبت الماضي في "سرت" عن القمم العربية السابقة التي عودتنا علي ألا نرفع سقف التوقعات بالنسبة للقرارات التي تتخذها والتي يتم وضعها علي الرف دون تفعيل لها علي أرض الواقع. قمة "سرت" لم تستثني من نهج جري العرف علي تبنيه في أي قمة عربية تعقد ألا وهو نهج الانجاز بالكلمات إبراء للذمة ليس إلا. وعليه جاء دعم قمة "سرت" للسودان دعما بالكلمات. صاغت قمة "سرت" قراراتها وقدمتها في نص زاخر بالشعارات التي تتحدث عن الإيمان بمبادئ وأهداف ميثاق الجامعة، والروابط التي تجمع الدول العربية بما يؤدي إلي تعزيز قدرتها علي الاضطلاع بمسئوليتها للحفاظ علي مصالحها وهويتها وقيمها وصيانة أمنها القومي استجابة لإرادة الشعوب العربية في تحقيق طموحاتها وصولا إلي التكامل بين الدول العربية في مختلف مجالات العمل العربي المشترك وأخذا في الاعتبار المتغيرات علي الصعيدين العربي والدولي وما يتطلبه ذلك من تحديث وتطوير لمنظومة العمل العربي المشترك وتفعيلا للآليات المتفق عليها في إطار هذه المنظومة. ** شلل في البنية العربية الكلام جميل والعرض رائع ولكن علي أرض الواقع ليست هناك منظومة حقيقية للعمل العربي المشترك حتي يجري تطويرها، فكل دولة هي كيان يعمل منفردا بمعزل عن ال]رين وفقا لمصالح ذاتية ومعايير أخري ترتبط بالخارج. وعليه فإن المطالبة بالقفز من جامعة الدول العربية إلي اتحاد الدول العربية لن يجدي لأن هناك شللا في البنية العربية نتيجة ما تعانيه دولها من أزمات فيما بينها وبين بعضها من ناحية، وما تعانيه كل دولة من تشققات في الداخل. كأن تكون هناك أزمة مع تيارات دينية أو مع أقليات أو تكون هناك محاولات للانفصال والتجزئة مثل السودان اليوم والتي يتوقع أن يسفر الاستفتاء الذي سيجري في التاسع من يناير القادم عن انفصال الجنوب عن الشمال. ومثل اليمن والأزمة الحالية بين الشمال وبين الجنوب الذي يسعي إلي الانفصال. ** الإرادة لمن؟ ولعل السؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن إصلاح منظومة العمل العربي دون إصلاح مواطن الخلل في النظام العربي؟ أمر آخر يتعلق بالجامعة العربية وهي أنها لا تملك فرض إرادتها علي الدول العربية، فكل دولة تسيرها إرادة مستقلة وبإمكانها استخدام حق الاعتراض علي أي قرار يتخذ. ولذا تعذر تفعيل القرارات التي يجري إقرارها في اجتماعات الجامعة وتحولت إلي مجرد توصيات بعيدة عن أي تفعيل وهو ما أدي إلي غياب التنسيق بين الدول العربية في السياسات الخارجية وحل الأزمات التي تتعرض لها. وظهر عالمنا العربي من خلال ذلك يفتقر إلي ثقافة العمل الجماعي. وعليه فإن مصطلح الوحدة الذي يكثر الحديث عنه غير قابل للتحقيق مع خصوصية السلطة السياسية داخل كل دولة بالإضافة إلي احتمال اختراقها من الخارج. ** الكلام كبير والتنفيذ ضئيل أما الانطباع الذي خرج به الكثيرون من انعقاد أية قمة عربية فهو انعدام وجود أدوات التواصل بين النظم العربية والشعوب العربية، فحتي الرؤية التي تحكم الحراك مرتبطة بقوي خارجية لهذا كان طبيعيا ألا يشهد المواطن العربي أي انجاز من خلال هذه القمم. ولهذا سري اعتقاد مفاده أن هذه القمم علي تعددها لا يمكن أن تستجيب لآمال الشعوب العربية، فالكلام كبير والتنفيذ ضئيل. بينما الخلافات تتكاثر. وعليه بات من الصعب في مثل هذه الأجواء ومع انعدام وجود الظرف الضاغط أن تكون الجامعة مهيأة بالفعل لاحداث تغيير جذري في هيكلية العمل العربي. ومن ثم يظل التوافق العربي صعب المنال وبالتالي يظل تطوير منظومة العمل العربي متعذرا لوجود وجهات نظر متباينة ومصالح خارج العالم العربي لا تسمح بهذا التطور.