يخيم علي عالم الأعمال البريطاني هذه الأيام سؤال مهم هو: لماذا لا تستطيع بريطانيا الاحتفاظ بملكية ماركاتها المميزة لها مثل جاجوار، ولاند روفر، والميني، ورونتري، والتايمز وأخيرا كادبوري متعهد صناعة الشيكولاته لأطفال الامبراطورية البريطانية؟ ففي يوم 19 يناير الماضي وبعد أربعة أشهر من الأخذ والرد أعلن روجر كار رئيس مجلس إدارة كادبوري أن مجلس إدارة الشركة أوصي حملة الأسهم بالموافقة علي عطاء شركة كرافت فودز الأمريكية التي يوجد مقرها الرئيسي في نورثفيلد بولاية إلينوي لشراء كادبوري مقابل 9 .11 مليار جنيه استرليني (5 .19 مليار دولار) . . وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الشركات الكبري مثل كادبوري لاتزال تتسرب من أيدي البريطانيين بطريقة أو بأخري علي الرغم من وعيد السياسيين واحتجاجات العمال المنظمين في نقاباتهم . وربما تكون صفقة بيع كادبوري لشركة كرافت مفيدة تجاريا للطرفين معاً حيث تملك الشركتين أسواقا متنامية في مختلف أنحاء العالم لبيع منتجاتهما معاً . . وعلي سبيل المثال فإن كادبوري تتمتع بوجود قوي في الهند وغيرها من بلدان الكومنولث البريطاني . . أما كرافت فذات وضع قوي في أسواق القارة الأوروبية وروسيا والصين . . ولاشك أن إيجاد كيان أكبر سيساعد الشركتين معاً علي التوسع في الأسواق الناشئة التي صارت تملك مفاتيح الثروة المستقبلية وهذا من شأنه أن يسعد العاملين في كادبوري أينما كانوا . ويقلل من بهجة هذه الصفقة علي أية حال أن جزءا كبيرا منها يناهز سبعة مليارات دولار سيتم تمويله بالدين لأن الاقتراض الذي يعتبر رخيصا هذه الأيام قد تتضاعف أعباؤه في الغد . . وهو أمر من شأنه أن يجهز علي ميزة خفض تكاليف التسويق والإدارة التي تعد أحد المبررات القوية لهذه الصفقة ويرغم الشركتين بعد الاندماج علي تخفيض حجم عملياتهما، وهذا أمر تقاتل كادبوري بضراوة من أجل تفاديه تحت ظل إدارتها الراهنة التي حولتها إلي كيان نحيل ومعتمد علي الأسواق الخارجية وأعجف إلي درجة أن أي تخفيض ضخم للعمليات قد يأكل العظم قبل اللحم . ولعله من المعلوم بالضرورة أن 75% من صفقات الاندماج لا تنجح في صنع القيمة لصالح حملة الأسهم بل إن نصفها يترتب عليه فعليا تدمير للقيمة وفي قطاع استهلاكي حساس مثل الأغذية والحلويات تكون مخاطر حدوث صدام بين ثقافة الشركتين عالية وكذلك مخاطر تدمير سمعة الصنف وهذا هو ما سبق أن حدث لشركة تيريز وهي شركة شيكولاته اصغر حجما في نيويورك اشترتها كرافت عام 1993 فقد فقدت تيريز سوقها البريطاني بعد أن تم نقل مصانعها إلي وسط أوروبا عام 2005 ويمكن أن يحدث شيء مماثل لشركة كادبوري . والحقيقة أن معركة بيع كادبوري قد أثارت شجونا تتجاوز الجانب التجاري حيث صاحبت عملية البيع فكرتان ذات حساسية عالية بالنسبة للشعب البريطاني الفكرة الأولي هي أن الأجانب أصبحوا يشترون أشهر الشركات البريطانية وأن ضعف الجنيه الاسترليني قد يزيد من هذا الاتجاه أما الفكرة الثانية فهي ما يحدث منذ مدة طويلة من تآكل بطيء لقاعدة الصناعات التمويلية في بريطانية . وعموما فإن هجوم الأجانب وتكالبهم علي شراء الأصول البريطانية المهمة يوصف بأنه "أثر ويمبلدون" فبريطانيا التي تنظم بطولة ويمبلدون للتنس منذ سنوات طويلة قد أعدت لها أجمل الملاعب لكي يأتي اللاعبون الأجانب ويخطفوا لقب البطولة من اللاعبين البريطانيين، ونفس الأمر ينطبق علي سباق التجديف السنوي أوكسفورد -كامبردج الذي تحول إلي منافسة بين مرتزقة غير بريطانيين . . لقد دأب المستثمرون البريطانيون لقرون ممتدة علي شراء أصول أجنبية تفوق ما يشتريه المستثمرون الأجانب من الأصول البريطانية ورغم أن صافي هذه المقاصة لاتزال لصالح المستثمرين البريطانيين إلا أن عام 2005 وعام 2006 شهدا انقلابا مؤقتا في هذا الأمر وهو ما جعل عامة الناس في بريطانيا يرون أن بلدهم صارت تبيع ذهب العائلة ولكن هل انتقال عملية صنع القرار وتحديد الماركة والملكية الفكرية في كثير من كبريات الشركات البريطانية إلي أيدي الأجانب شيء ذو بال؟ واقع الأمر أن البريطانيين كما تقول مجلة "الايكونوميست" يتخوفون من التأثير السلبي لهذه العملية علي فرص عملهم لأن الأجانب يمكنهم نقل العمليات الي الخارج بأكثر مما يميل المستثمرين البريطانيين الي فعل ذلك كما ان الاجانب قد يستخدمون أرباح الشركات البريطانية لسداد ديونهم الخارجية بدلا من اعادة استثمارها في بريطانيا كذلك فإن السلطات الضريبية لا تتشدد مع الأجانب مثلما تفعل مع البريطانيين انفسهم . ورغم ذلك فإن ما ينبغي ان تدركه هو ان كل الشركات الناجحة في عصر العولمة بريطانية كانت أم غير بريطانية صارت أحرص علي الاستفادة من المزايا اينما وجدت وحتي إدارة كادبوري الحالية كانت قراراتها لا تتقيد بانتمائها الوطني قدر ما تركز علي مصالح