يبدو أن الأزمة المالية لم تدمر فقط أهم البنيات الأساسية العالمية بل أسهمت في اندلاع سلسلة من الأزمات الراهنة كأزمات الغذاء والنفط والفقر والتغيير المناخي هكذا يصف كومي نايدو المدير التنفيذي لمؤسسة السلام الأخضر العالمية توابع الأزمة الاقتصادية في الجارديان مشيراً إلي أن الخيار القائم الآن أصبح بين مسارين أحدهما السعي إلي ترميم البنية الأساسية عبر"اتفاقيات" ضعيفة وهشة وعمليات انتشال مالي مختلة وتجاهل الفقراء والمحتاجين. لكن هذا المسار الذي يحبذه فيما يبدو الرئيس الأمريكي باراك أوباما وغيره من قادة العالم لا يقدم شيئا من أجل معالجة المشاكل الأساسية التي أغرقت العالم في حالة الفوضي الراهنة. أما المسار الآخر فهو إعادة تشكيل المستقبل بإيجاد بني أساسية جديدة تمكن المجتمعات في جميع أنحاء الأرض من السعي إلي تحقيق الاستدامة والإنصاف وهو ليس بالمسار الأسهل لكنه هو الخيار الصائب. ففي حالة المناخ علي سبيل المثال تطالب الطبيعة بتغييرات جوهرية في أساليب المعيشة. وأصبحت الحاجة قائمة لتغيير الاقتصاد المبني علي الوقود التقليدي والاستهلاكية إلي اقتصاد قائم علي الطاقة النظيفة المستدامة والاعتدال. فقد قدر المنتدي الإنساني العالمي الذي يترأسه كوفي عنان عدد ضحايا تأثيرات التغيير المناخي بنحو 300 ألف قتيلا سنويا. ومن بواعث السخرية أن يشكل فقراء العالم النامي السواد الأعظم لهؤلاء الضحايا والمتضررين علي الرغم من أن المشكلة نشأت وترعرعت في أحضان أغنياء العالم الصناعي. وتتطلب البنية الأساسية الجديدة تجاوز المصالح الذاتية الفردية الوطنية والتفكير في العالم ككل لأن غالبية المشاكل الكبري التي يقاسي العالم منها حاليا لا تعرف حدودا لها. وللأس افتقر الساسة إلي الشجاعة المطلوبة للتفكير من هذا المنظور في ديسمبر الماضي أثناء قمة التغيير المناخي في كوبنهاجن. لكن قمة كوبنهاجن أتت بإيجابيات أيضا علي رأسها الوحدة الحقيقية بين صفوف المجتمع المدني. فهناك ضمت منظمات عادة ما لا تشارك في قضايا التغيير المناخي جهودها للمطالبة بالعدالة المناخية ومنها علي سيبل المثال مجلس الكنائس العالمي ومختلف المنظمات الدينية والعقائدية. لا شك في أن استمرار الحكومات في الحديث عن بالأزمة المناخية ولكن دون التعهد بأية التزامات سوف يتسبب في تعميق التداعيات وزيادة خطورتها ورفع عدد الفقراء ومستوي فقرهم وتصعيب مسار التنمية والإضرار بالصحة وتعجيز الأهالي عن التأقلم. فقد طالبنا جميعا في كوبنهاجن كلاً من أوباما وميركل وساركوزي وغيرهم من قادة العالم الصناعي بالالتزام ب140مليار دولار سنويا لتمكين أفقر الفقراء وأكثر البلدان تضررا من التأقلم مع تداعيات التغيير المناخي ومواجهتها. وفي النهاية تم الاتفاق علي جزء فقط من هذا المبلغ وحتي ذلك ما زال موضع شك لأنهم لم يعلنوا من أين سيأتي المال أو كيف سيجري تسليمه. وعلي الرغم من كل ذلك لم يتبن الجميع الإتفاق أو جعلوه ملزما قانونيا. لقد أصبح الآن لزاما علي المجتمع المدني مواصلة العمل جنبا إلي جنب كما فعل قبل قمة كوبنهاجن والاستمرار في الضغط علي الحكومات للسير علي الطريق الكفيل بتفادي كارثة التغيير المناخي. كما يتحتم تكثيف الاستعانة بأساليب العصيان المدني السلمي سيرا علي نهج مانديلا وتوتو وروزا باركس ومارتين لوتير كينج وغاندي. إن الحاجة إلي مواجهة كل المعارك القائمة بشجاعة وهذه الشجاعة يمكن أن تتخذ أشكالا مختلفة كشجاعة الأسر لتغيير أسلوبها المعيشي وشجاعة عامة الناس لكتابة رسائل للمسئولين والمشاركة في المظاهرات واللجوء إلي جميع السبل السلمية وغير العنيفة لضمان أن تقوم الحكومات والصناعات بإدخال التغييرات اللازمة من أجل العيش في كوكب صحي ترثه الأجيال القادمة.