تابعت الحوار الساخن بينهما، حيث تنطلق الكلمات من عقلها كطلقات الرصاص في فيلم أكشن، بينما يحاول والدها أن يصغي بنفس حماسها المتقد. وعندما وصل الحوار إلي منطقة التشنج، قالت متهمة بالسلبية كل جيله: "أنتم لا تفعلون شيئا لتغيير الأوضاع، بل منكم من يكتفي بالفرجة، ومنكم من يدافع عن مصالح فئوية ضيقة، يخافون أن يخسروها، تلك السلبية تعكس أنكم غير متعجلين للتغيير، فقد عشتم تداول السلطة وشهدتم ثلاثة رؤساء حكموا مصر، أما نحن فلم نعش شيئا من ذلك، ومنذ خلقنا وفي حياتنا رئيس واحد.. والباقي ندرسه في التاريخ بل إن جزءا كبيرا من الواقع المستمر معنا تحول إلي تاريخ، وأصبحت صفحاته تدرس في مناهج التدريس، من فرط طوله. نسمع ونري ونقرأ طيلتها نفس الأخبار، ونفس الأشخاص..!! تأملت ما تقوله تلك الصغيرة الكبيرة، التي أخالها أصبحت تنطق بما ينطق به العجائز، لكن حكمة الانتظار التي يتحلي بها الكبار، أصبحت تعني العجز في قاموسها. إنه جيل مختلف لم يشارك في حرب، ولم يدخل سجونا، ولم يشعر بخوف يوماً من احتلال جاثم علي الأقدار، يستغل الأرض ويعتدي علي السيادة والمقدرات. لم يشعروا بظلم فقدان حرية التعبير، وهلع المصادرة، والرقابة البوليسية.. نعم هم جيل تمتع بالعديد من الامتيازات، وأهمها أن كل شيء يقال بمسمياته الحقيقية، فلا توجد مداراة، ولا نفاق، وأكبر اسم في البلد ينتقد علي صفحات الجرائد، وتكال إليه الاتهامات. هل هذه الأجواء الديمقراطية يمكن أن تصنع جيلا قادرا علي التغيير، وفقاً لما يراه هو؟ هل نحن جيل جبان فعلاً، نخاف علي مصالحنا الصغيرة، ونجافي الأحلام الكبيرة لنرضي بالفتات؟ وهل نحن السبب الحقيقي وراء هذا الخنوع الذي تركن إليه جموع الناس، اكتفاء بلقمة العيش، واللهاث وراء ذلك الفتات؟ إنها أسئلة محيرة.. لكن إحدي اجاباتها أن الاستقرار، قيمة كبيرة وثمينة، ولا يدرك معناها إلا من ذاق مرارة الحرب وتجرع آلام الثكالي وحرقة دموع الأرامل حزنا علي الشهداء.. نعم الإستقرار قيمة كبيرة.. لكن هل مازلنا نعيش أسري للماضي بينما تتشكل أجيال لديها من القوة والجرأة، ما يدفعها إلي تحقيق أحلام النهوض، بعزم الدماء الجديدة، وتطلعات المستقبل بعيونهم التي تري ما لا نري. قد لا نوافق علي بعض أو غالبية أفكار هذه الأجيال الجديدة الصاعدة لكن المؤكد أن لهم حق الحلم، مثلما حلم من قبلهم. توقفت عن التفكير لبرهة تحت وطأة التداعيات التي تلاحقني، ليقفز سؤال مهم أمامي: هل يا تري حَلمنا فيما مضي.. وما نعيشه هو نتيجة أحلام جيلنا بالفعل..؟ ** النظرة العنصرية لإفريقيا نتعامل مع دول حوض النيل، بنظرة فوقية مشبعة بالعنصرية، تذكرني بنظرة الأمريكي الأبيض للسود في القرن الثامن عشر، وأقرأ ما يكتب في الصحف بأقلامنا، وما يصدر من تصريحات رسمية، فيها استخفاف بقدرات دول منابع النيل، وكأننا في عصر "المستعمرات". مرفوض الحديث عن ايقاف المعونات الفنية التي تقدمها مصر إلي تلك الدول، وهي بالمناسبة مساعدات هزيلة، لا تعكس حجم مصالحنا مع تلك الدول، كما إننا طالما عانينا من الأسلوب الأمريكي في التعامل معنا بالعصا والجزرة في قضية المعونة الأمريكية، فإذا بنا نستخدمه! ما تقوله الصحافة يوميا من آراء عنصرية تجاه دول حوض النيل تنقله سفارات تلك الدول إلي متخذي القرار في حكوماتها. وما ذكره الوزير أحمد أبو الغيط من أن مصر يمكن ان تفكر في ايقاف المعونة لدول حوض النيل، يحتاج إلي مراجعة، لأنه يزيد الطين بلة، ولا يحل مشكلة. وخدمة مصالح مصر تملي علي الحكومة أن تتفاوض مع تلك الدول، وتحسن علاقاتها بها، وتخصص المزيد من الدعم، والخبراء.. وألا نترك الساحة لإسرائيل أو حتي الصين. هناك أخطاء ارتكبت قديماً، وتعاون استراتيجي تقطعت أوصاله منذ عام ،1975 ولابد من تدارك تلك الأخطاء فعلاقاتنا مع دول حوض النيل في نفس أهمية علاقاتنا بأوروبا، وحتي بأمريكا. فهي عمقنا الجغرافي والسياسي، والاستراتيجي ودعم التجارة والاستثمار معها يكفينا مؤونة السؤال واستجداء الشراكة مع دول تبعد عنا آلاف الكيلو مترات. لو بذلنا مجهودات مع إفريقيا مثلما بذلناها مع آسيا وأمريكا لكنا في وضع أفضل مع جيراننا.. أم أنها عقدة "التفوق" الزائف! متي نغير خطابنا السياسي والإعلامي مع إفريقيا.. إنها مصالح وشراكة وليست "ماتش كورة"!