لقد أطلق المراقبون وصف "صدمة نيكسون" ليس علي استقالة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون من منصبه وسط أجواء فضيحة ووترجيت عام 1974. ولا علي قراره بقصف أراضي كمبوديا أثناء الحرب الفيتنامية برغم أنه قرار أدي إلي توسيع نطاق تلك الحرب التي صارت وصمة عار في التاريخ الأمريكي.. ولا علي زيارته الجريئة للصين الشيوعية.. وإنما اطلقوا هذا الوصف علي حزمة السياسات الاقتصادية التي باغت الرئيس نيكسون العالم كله بها يوم 15 أغسطس عام 1971 والتي تضمنت تجميد الأجور والأسعار لمدة 90 يوما لكسر حدة التضخم وإنهاء العمل بقاعدة الذهب بما يعني إلغاء قابلية الدولار للتحويل إلي ذهب، وفوق هذا وذاك اللطمة الإضافية المهنية بزيادة الضريبة علي الواردات بنسبة 10% دفعة واحدة. وتقول مجلة "الايكونوميست" إنه برغم أن نيكسون لم يكن عادة مصدر الهام للنقاد ذوي الميول اليسارية من أمثال بول كروجمان في جريدة "نيو بورك تايمز" فإن كروجمان شأنه شأن 130 آخرين من أعضاء الكونجرس الذين كتبوا رسالة إلي تيموثي جايثنير وزير الخزانة الأمريكي في مارس الماضي يدعون فيها البيت الأبيض إلي السير علي خطي نيكسون وفرض ضريبة إضافية علي الواردات من الصين، صار هو الآخر يؤدي هذه الفكرة. ويفترض أصحاب تلك الفكرة أن الضريبة الاضافية علي الواردات ستدفع الصين مرغمة إلي زيادة قيمة البوان أمام الدولار تماما مثلما سبق أن اضطر شركاء أمريكا التجاريين بعد أربعة شهور فقط من "صدمة نيكسون" الاصلية عام 1971 إلي إعادة التفاوض بشأن أسعار صرف عملاتهم أمام الدولار. ويدعي بول كروجمان أن ضعف قيمة اليوان أمام الدولار قد كلف أمريكا فقدان 1،4 مليون وظيفة.. وإن اليوان الرخيص يعزز القدرة التنافسية للصادرات الصينية في السوق الأمريكية. كما أن الصين تستخدم فوائضها الدولارية في شراء أوراق مالية أمريكية بدلا من إنفاقها علي شراء سلع من أمريكا. وفي الاحوال العادية يؤدي الاقبال علي شراء الأوراق المالية الأمريكية إلي خفض سعر الفائدة وانعاش قدرة أمريكا علي الاقتراض والانفاق.. ولكن أمريكا الآن ليست في ظروف عادية فهي مثل كل البلدان الغنية تعاني أزمة سيولة كما أن أسعار الفائدة فيها منخفضة إلي أدني مستوي يمكن أن تنزل إليه. ولذلك فإن الصين بإدخارها لما تحقق من فوائض دولارية بدلا من انفاق هذه الفوائض إنما تحقق هدفا مغايرا تماما وهو نزح الطلب من الاقتصاد العالمي. لقد وصلت احتياطيات الصين من العملات الأجنبية حتي الآن إلي 2،4 تريليون دولار منها 70% كما هو معتقد في صورة دولارات. وبالمقارنة مع الوضع في عام 1971 نجد أن ما كان لدي شركاء أمريكا التجاريين من احتياطيات دولارية لا يتجاوز 40 مليار دولار ولكن هذا المبلغ الصغير نسبيا كان يمكن آنذاك شراء ثلاثة أضعاف ما في خزائن أمريكا من ذهب إذا التزمت واشنطن بالأسعار الساندة للذهب آنذاك وهي 35 دولار للأونصة. وقد كان طلب بريطانيا يوم 13 أغسطس عام 1971 تحويل ما لديها من دولارات إلي ذهب هو القشة التي قصمت ظهر البعير. ويقول جورج شولتز وكينيث دام (وهما من كبار المسئولين الاقتصاديين في إدارة نيكسون) في كتابهما المعنون "خفايا السياسة الاقتصادية" أنه برغم أن حكومة الولاياتالمتحدة لم تكن تعطي أهمية كبري للذهب في حد ذاته فإن التسابق علي اقتناء الذهب كان بالنسبة لها مشهدا مؤسفا ولذلك أعلن الرئيس نيكسون بعد الطلب البريطاني بيومين فقط أن أمريكا ليست عازمة علي أن تفعل ما ستكون خلال فترة قصيرة عاجزة عن الاستمرار في فعله وهو تحويل الدولارات إلي ذهب بسعر الصرف المتفق عليه. ويري شولتز ودام أن زيادة الضريبة علي الواردات كانت تبدو في ذلك حين بمثابة "لفت