يبدو أننا كنا نحلم عندما اعتقدنا أن عضو مجلس الشعب النائب "نشأت القصاص" الذي طالب بإطلاق الرصاص علي المتظاهرين لن ينتظر قرار مجلس الشعب بشأنه وأنه سيبادر بنفسه بتقديم الاعتذار إلي شعب مصر علي ما قاله، حتي وإن كان زلة لسان وسوف يتبع هذا الاعتذار بالاستقالة وهي أقل ما يجب أن يفعله في مثل هذه الحالات بعد أن فقد ثقة الشعب به، وبعد أن سارت المظاهرات في دائرته الانتخابية ضده.!! فقد أفقنا من الحلم المثالي علي الحقيقة والواقع الصعب الذي نعيشه، حيث اكتفي مجلس الشعب بتبرير ما قاله النائب من أقوال مسجلة في مضبطة المجلس بأن ما قاله هو "زلة لسان" واكتفي المجلس بتوجيه "اللوم" إليه، واعتبر الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب عقوبة "اللوم" بأنها اقصي من عقوبة الحرمان من الجلسات حيث قال إن توجيه "اللوم" للنائب بمثابة عملية قاتلة جدا له..! وحقيقة فقد كان هذا الإجراء صادماً لنا، بعد أن اعتقدنا أن الحزب الوطني سوف يحاول اكتساب أرضية جديدة في الشارع بالتخلص من النائب الذي يطالب بإعدام المتظاهرين وبالتأكيد علي احترامه لحرية وحق التعبير. ولكن الحزب المسيطر علي مجلس الشعب لم يجد اقسي من عقوبة "اللوم" يوجهها للنائب، وعلي طريقة عيب.. لا تكرر ذلك مرة أخري..وهي عقوبة ولا نري ولا ندري ما هي القسوة والحظوة فيها وما تأثيرها علي النائب، وكيف يمكن للمجتمع بعد ذلك أن يطمئن أن ويثق في مجلس لم ينتفض للدفاع عن حق التعبير المشروع لكل المواطنين، وهو حق أصيل تصونه القوانين والدساتير..! واذا كان كل نائب في المجلس التشريعي سوف يدلي ويعبر عن أرائه المتطرفة الحادة ويكتفي بعذ ذلك "بالاعتذار" اذا ما كان رد الفعل قويا ضده، فإن الكلمة بذلك تفقد قيمتها، والمعاني تصبح ضائعة، ولن يثق أحد في كلمة تقال أو موقف يعلن، لأن الذين يدلون بهذه الأقوال، والذين يطلقون هذه التصريحات لا يدركون ولا يتفهمون ولا يستوعبون ما يقولون، لأنهم وببساطة يعتبرون ان ما قالوه هو "زلة لسان" تستوجب فقط مجرد الاعتذار..! لقد أخطأ مجلس الشعب في التعامل مع نائب الرصاص وذلك بالتمسك به عضوا وبقبول الاعتذار الذي أبداه، وبتحديه بذلك لإراد ومشاعر الرأي العام الذي كان ينتظر إجراء عقابيا له مدلولة وله انعكاساته، وله أيضا تطميناته بأن ما قاله النائب القصاص كان رأيا فرديا نابعاً من قناعات شخصية، وأن المجلس لا يقر هذه الاراء ولا يتبناها ولا يجد لها تبريرا أو تعاطفا..! وحماية النائب بقرار "اللوم" الشكلي غير المؤثر، لا يمثل إلا نوعا من الاستفزاز والاستهتار بالرأي العام وتأكيدا آخر لقاعدة.. فليقولوا ما يقولون، وليعترضوا كيفما يشاءون ونحن سنفعل في النهاية ما نريد.. وعلي المتضرر "اللجوء" إلي الفضائيات، فهي أفضل تسلية متاحة الآن للجميع، وأفضل تفريغ للكبت والعقد، وما أكثر الكلام والمتكلمين والفضائيات أيضا.