أسوأ شيء في ساسة أوروبا انهم مع بدء توارد الانباء الطيبة عن حالة اقتصادهم يتعمدون ان يواصلوا غض البصر عن الوضع السيئ لموازناتهم الحكومية فالأرقام التي أعلنت يوم 13 نوفمبر 2009 تشير إلي ان اقتصادات دول منطقة اليورو بدأت تتحرك ببطء خارجة من حالة الركود خلال الربع الثالث من العام الحالي ففي هذا الفصل حققت منطقة اليورو نموا بنسبة 4 .0% من اجمالي الناتج المحلي وذلك للمرة الأولي منذ عام كامل ولكننا حينما نضع في الاعتبار ما حدث من انكماشات في اجمالي الناتج المحلي لدول اليورو خلال العام الاخير سنجد ان اجمالي ناتجها المحلي لايزال اقل بنسبة 1 .4% عما كان عليه منذ عام . وتقول مجلة "الايكونوميست" ان هذا الركود العميق قد أرهق دون شك الماليات العامة لدول اليورو فالمتوسط العام لعجز الموازنة في هذه الدول ال16 سيكون 4 .6% من اجمالي الناتج المحلي خلال هذا العام وسيرتفع الي 9 .6% في العام القادم 2010 وذلك حسب توقعات المفوضية الأوروبية وإذا لم تتخذ أية اجراءات للسيطرة علي هذا العجز فإن اجمالي الدين العام لدول اليورو سيرتفع إلي 88% من ناتجها المحلي في عام 2011 بزيادة 33% أو أكثر قليلا عما كان عليه قبل الأزمة . ومن المؤكد ان هذا المزيج من الهشاشة الاقتصادية والضعف في الماليات العامة يشكل مأزقا لصناع السياسات فهناك خطر حدوث تصاعد حلزوني منفلت في الدين العام ما لم يتم زيادة الضرائب أو خفض الانفاق وفي نفس الوقت فإن توقف هذه الدول بسرعة عن تقديم برامج تحفيز نقدي ومالي من شأنه ان يعيد الركود مرة أخري ولحل هذه الاشكالية اتفقت بلدان الاتحاد الأوروبي من حيث المبدأ علي ضرورة اتباع سياسة تقشفية "طموح" ولكن ليس علي الفور وإنما اعتبارا من عام 2011 حيث انه من المأمول ان تكون اقتصادات أوروبا قد قويت حينذاك بدرجة تمكنها من تحمل التقشف الطموح! وقد تقرر ان تقوم المفوضية الأوروبية بدور المنسق والمراقب ولكن من دون تحديد مدي القوة الالزامية لما سوف تصدره من "روشتات" لعلاج الموقف وقد اقترحت المفوضية يوم 11 نوفمبر ان تلتزم دول الاتحاد الأوروبي الثلاث عشرة صاحبة اكبر نسبة عجز في الموازنة بأن تخفض هذه النسبة إلي 3% فقط مع حلول عام 2014 علي اقصي تقدير ومن المقرر ان يناقش وزراء الاتحاد الاوروبي هذه الخطط عند اجتماعهم يوم الاربعاء 2 ديسمبر . وبديهي ان الدول ذات الوضع المالي الاسوأ لديها الكثير الذي يتعين عليها ان تفعله فدولة مثل ايرلندا سيكون عليها رفع الضرائب أو خفض الانفاق العام بنسبة 2% من اجمالي ناتجها المحلي سنويا ولمدة خمس سنوات لكي تحقق الهدف المنشود علي حد قول المفوضية أما الدول الاحسن حالا مثل المانيا فإن معدل التقشف الذي تحتاجه لن يتجاوز 05 .0% . ومعلوم ان اصلاح الموازنة الحكومية يكون اكثر قدرة علي الدوام اذا ما تم عن طريق خفض الانفاق وليس عن طريق زيادة الضرائب ولكن هذا العلاج لن يمكن تطبيقه بدقة كاملة في البلدان ذات العجز الاسوأ مثل ايرلندا واسبانيا فإيرادات ايرلندا الضريبية تراجعت بنسبة الثلث منذ عام 2007 وانكمش اجمالي ناتجها المحلي 13% في نفس الفترة . اما اسبانيا فقد شهدت جفافا تاما في ايراداتها الناتجة عن انتعاش قطاع الاسكان "اي ايرادات ضريبة القيمة المضافة علي المنازل الجديدة وضريبة أرباح رأس المال وضرائب المعاملات التجارية" وهي ايرادات لن تعود مرة أخري وفي نفس الوقت فإن خفض الانفاق في هاتين الدولتين سيكون ضارا فالنمو الذي تقوده الصادرات له جاذبيته ولكنه لا يفيد الموازنة الحكومية كثيرا لأن ضرائب الانفاق هي صاحبة النصيب الأكبر في صنع الايرادات الحكومية وقد كشف انفجار فقاعة قطاع العقارات في كل من ايرلندا واسبانيا مدي نحافة الوعاء الضريبي فيهما . وتقول مجلة "الايكونوميست" ان ايرلندا اتبعت منذ يوليو 2008 سياسة مالية تقشفية بنسبة 5% من اجمالي ناتجها المحلي بالرغم من ضراوة الركود ومن المقرر ان تعلن الحكومة تقديراتها لموازنة 2010 يوم 9 ديسمبر وسيكون عليها كما هو متوقع ان تخفض الانفاق أو ترفع حصيلة الضرائب بمقدار 4 مليارات يورو لكي تمنع تفاقم العجز في موازنة العام الجديد وكانت الحكومة الايرلندية قد اشارت في تقاريرها الي حدوث زيادات كبيرة في الاجور وفرص العمل التي اوجدها القطاع العام خلال السنوات العشر الاخيرة وهذه اشارة مهمة الي ان خفض جدول الاجور من الخيارات المطروحة اما اسبانيا فتخطط لكبح العجز عن طريق زيادة ضريبة المبيعات عموما من 16% لتصبح 18% في يوليو 2010 مع وقف المردودات الضريبية وانظمة دعم المشروعات الصغيرة التي كانت تشكل جزءا من الحافز المالي المخصص لمعالجة الركود .