فى السنوات الأخيرة كان هناك حديث متصل عن ضغوط أمريكية وأوروبية من أجل مراجعة وتغيير مناهج التربية الدينية بدعوى أنها تدعو إلى التطرف والعنف. وكان هناك نفي رسمي مستمر بأن ذلك لم يحدث وأن أحدا لم يثر هذا الموضوع مع المسئولين فى مصر وأننا بالطبع نتمتع بكامل الحرية فى تقرير ما نراه مناسبا وصالحا للتدريس. لكن وزير التربية والتعليم الدكتور أحمد زكى بدر فى مؤتمر صحفى عقده قبل أيام تحدث وأفصح عن إحالة مناهج التربية الدينية من الصف الأول الابتدائى إلى الصف الثالث الثانوى إلى الدكتور أحمد جمعة مفتى الجمهورية لإبداء الرأى فيها من الناحية الشرعية وحذف النقاط التى يمكن إساءة فهمها بعد ان اشتكى البعض مما يمكن اعتباره دعوة للتحريض على العنف! والوزير لم يفصح عن المقصود "بالبعض" ومن هم "البعض" الذين اشتكوا واحتجوا واعتبروا أن ما فى هذه المناهج الدينية هو دعوة إلى العنف، وهل الحديث عن الجهاد أصبح مرادفا للعنف والتطرف ويجب التوقف عن تعميق مفاهيمه وغرس مفاهيم أخرى توقف وتحد من نزعة المقاومة وعدم الاستسلام للأمر الواقع لدى المسلم.. وهل المقصود الآن هو تنشئة أجيال جديدة تتناسب وتتلاءم مع ثقافة العولمة وإهمال الأديان. إن هذا التطور الخطير بإحالة مناهج التربية والتعليم إلى المفتى يعنى أن الوزير قد عقد النية على تغيير المناهج وأنه يبحث عن مخرج شرعى لذلك حتى لا يتحمل وحده المسئولية وحتى لا ينسب إليه أنه الوزير الذى استجاب "للبعض" أيا كان هذا البعض.. وإذا كانت وزارة التربية والتعليم بما تضمه من خبراء وأساتذة فى التربية وفى التعليم وضعوا أفضل المناهج الدراسية خلال سنوات طويلة لا تملك أن تشكل لجنة علمية ودينية تقوم بدراسة هذه المناهج والتأكد من التزامها وتوافقها الكامل مع تعاليم الدين وتحيل ببساطة هذه المناهج إلى المفتى لمراجعتها وغربلتها فإن على الوزارة ان تبحث لها عن دور آخر وان تكتفى بمراقبة الحضور والغياب فى المدارس والتفرغ لعقاب المخالفين! إن وزير التربية والتعليم لديه على ما يبدو رغبة ونوايا صادقة فى دفع المسيرة التعليمية وإصلاح أوجه الخلل، ولكن النوايا وحدها لا تكفى، إذ ان العمل الفردى والقرارات الفردية لم تأت يوما إلا بمشكلات وتعقيدات أكبر ويدفع ثمنها الجميع.. وعلى الوزير أن يتمهل قليلا، ففى التأنى السلامة!