حسنا فعل منظمو مؤتمر دافوس العالمي في دور انعقاده السنوي الاربعين هذا العام عندما قرروا ان يكون عنوان المؤتمر في هذه الدورة هو "تحسين العالم": إعادة التفكير.. إعادة التصميم.. إعادة البناء" فالعالم بالفعل يتغير من عدة وجوه.. ولكنه يحتاج إلي جهود كل النخب لشرح هذه التغيرات ووضع ايدي الناس علينا وجعلها مقبولة وتقول مجلة "تايم" إن قادة العالم عندما اجتمعوا في دافوس في يناير من العام الماضي 2009 كان المناخ المسيطر عليهم ينطوي علي كثير من الكآبة حيث كان الاقتصاد العالمي ينكمش ولا ينمو والائتمان متجمد والتجارة الدولية تتبخر ونذر السياسات الحمائية تتزايد وفقدان الثقة في قيادة العالم الاقتصادية والسياسية هو النغمة السائدة وأنين الفقراء والعاطلين يزداد ارتفاعه والتشاؤم يسيطر علي الجميع ماعدا رجل واحد هو رئيس الوزراء الصيني وين جيابا الذي أعلن ان بلاده تستهدف تحقيق معدل نحو اقتصادي يناهز ال 8% سنويا خلال عام 2009. أما في دافوس هذا العام الحالي فقد اجتمع اكثر من 2500 شخص يمثلون نخب الحكومات والساسة والأعمال والاكاديميات والمجتمع المدني والاعلام في أكثر من 90 دولة وسط مناخ مختلف أصبح فيه العالم قادرا علي ان ينافس بشكل افضل ولكنه أي هذا العالم قد تغير بشكل جذري بعد الازمة المالية والاقتصادية علي حد قول كلاوش شواب مؤسس منتدي دافوس ورئيسه التنفيذي. صحيح أن الازمة العاتية التي ضربت العالم في 2008 لم تنقشع كليا بعد ولكن التعافي منها يسير بأسرع مما كان متوقعا علي حد تعبير دومينيك شتراوس المدير العام لصندوق النقد الدولي.فحجم الاقتصاد العالمي انكمش 2.2% في عام 2009 ولكنه سينمو بمعدل 7.2% في العام الحالي حسب تقديرات البنك الدولي صحيح أن التعافي لا يزال هشا وأن ثمة مخاطر لا تزال معلقة في سماء الغرب والولايات المتحدة بوجه خاص. إن دراسة قامت بها مكنزي قالت إن التعافي خاصة من البطالة سيحتاج إلي 6 أو7 سنوات حتي يكتمل قياسا علي ما كان يحدث في السابق ولكن الاسوأ في هذه الازمة علي أيه حال قد مضي إلي حال سبليه. واذا كان الكثير قد قيل في تحليل طبيعة الازمة وطبيعة التعافي المبكر وغير المتوقع الذي بدأ في النصف الثاني من 2009 فإن ما ينبغي أن نركز عليه الآن ونناقشه من أجل تلمس الاوضاع المستقبلية هو ما يحدث من تغير في بيئة الاقتصاد العالمي وخاصة علي الجانب الفكري لقد تشكل العالم ربما في العشرين سنة الاخيرة علي أفكار من صنع الرأسمالية الحالية ومنها ان الاسواق تثمن المخاطرة عاليا وبكفاءة ان المبتكرات الجديدة في أسواق المال تفيد باقي اجزاء الاقتصاد وتجعله اكثر استقرارا وليس أكثر ميلا إلي صنع الازمات وان قليلا من التنظيم الحكومي للاسواق هو الافضل أن من يراعي هذه الافكار سيكون أكثر قدرة من غيره علي الازدهار.. وباختصار فقد اصبحت الخدمات المالية هي القطاع المحدد لطبيعة الرأسمالية الحديثة. ولكن الازمة الاخيرة جاءت لتتحدي كل هذه الافكار وتحولت السوق الرشيدة إلي مجرد اسطورة أو خزانة لتنقد وجهة نظر جوستين فوكس محرر مجلة "تايم" الذي اصدر منذ سنوات قليلة كتابه الشهير تحت نفس العنوان "خرافة السوق الرشيدة" بل إن جدوي الرأسمالية الحالية كلها بالنسبة للاقتصاد الحقيقي صارت موضع شك وهي أمور سبق أن نبهت اليها كتب ودراسات كثيرة غير كتاب فوكس الاكثر شهرة، وفي اغسطس الماضي 2009 لخص ادير تيرنر رئيس هيئة الخدمات المالية البريطانية الموقف خلال ندوة عقدتها مجلة "بروسبكت" قائلا إن أزمة 2008 دمرت الافكار المالية والاقتصادية التي كانت سائدة قبلها. صحيح أن الاسواق مهمة ولكن افكار التوريق والمشتقات وغيرها من الافكار المنظمة للاوراق المالية ثبت أنها أكثر مخاطر مما كان يظن أصحابها أو أنه لم تكن هناك أ سواق كافية لاستيعابها وانها لم تجعل عالمنا افضل. وبعد تيرنر جاء بول فولكر رئيس بنك الاحتياطي الامريكي 1979 1987 ليسخر في حديث لجريدة "وول ستريت جورنال" في نوفمبر من كل المبتكرات المالية التي استجدت وسيطرت خلال الخمسة والعشرين سنة الاخيرة قائلا إنه لم يكن هناك ابتكار سوي ماكينات ا لصرف الآلي ATM.