يتعطش العالم إلي أفكار وحلول جديدة.. أفكار حول نظام عالمي جديد يسمح بمزيد من الإستقرار ويعالج الخلل في موازين القوي وفي عمل المؤسسات الدولية.. وإلي نظام مالي جديد يتفادي أخطاء البنوك والقطاع المالي الذي يأخذ مخاطر لا يتحمل نتائجها بينما يتحملها آخرون في فقدان فرص العمل أو تدهور للأوضاع الاجتماعية. ولم يكن هناك أفضل من منتدي دافوس بسويسرا حيث اجتمع نحو2000 من القيادات الفكرية والتنفيذية حول العالم مؤخرامن بينهم قيادات900 شركة من الأكثر تأثيرا حول العالم ناقشوا خلالها علي مدي خمسة أيام موضوعات عالمية شتي في مجالات السياسة والاقتصاد والبيئة والتعليم وغيرها ذات التأثير الدولي. فقد عقدت اجتماعات هذا العام تحت شعار' نحو تحسين أوضاع العالم: إعادة التفكير.. إعادة التصميم.. إعادة البناء'. وعلي الرغم من جدية المناقشات والآراء فإنه لم تكن هناك فكرة جديدة تخطف الأبصار أو تلهب العقول. وربما توقف المنتدي عند المرحلة الأولي لإعادة التفكير ولم يستطع الانتقال لمراحل أخري من إعادة التصميم أو إعادة البناء. ومن أهم سمات المنتدي هذا العام وجود شبه إجماع من الحضور علي أن موازين القوي في العالم بدأت تنتقل من الغرب إلي الشرق من خلال القوي الصاعدة الآسيوية. فهذه الدول مثل الصين والهند وكوريا وغيرها لا تزال تحتاج إلي الاقتصاد الغربي لزيادة معدلات التصدير ونموها الاقتصادي ولكن لم يعد هناك مجال للشك في تنامي دورها وتأثيرها في الإقتصاد العالمي. بل يري الكثيرون ومن بينهم المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي أن المستهلك الصيني ربما يصبح القوي المحركة للاقتصاد العالمي خلال السنوات القادمة مثلما كان المستهلك الأمريكي يقوم بهذا الدور في العقدين الماضيين. ولا يقتصر هذا علي الدول الآسيوية بل علي دول أخري مثل البرازيل وجنوب أفريقيا وغيرهما ممن كان يطلق عليهم أسواق الدول الناشئة أو الصاعدة.. هذا المصطلح الذي يتوقع مراسل البي بي سي ألا يسمعه في منتدي العام المقبل بعد أن' صعدت' هذه الدول بالفعل. ويدعم هذا أن إدارة منتدي دافوس قررت تقديم جائزة هذا العام لأفضل رجل دولة في العالم إلي الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا الذي اعتذر عن عدم الحضور نتيجة لمرضه. وقد سيطرت الإصلاحات المصرفية ومستقبل البنوك علي الجانب الأكبر من الحديث والمناقشات, حيث قامت قيادات البنوك الكبري بالدفاع عن نفسها والتقليل من دورها في الأزمة. بل وحذروا من خطط الإصلاح التي ترغب الدول الكبري في تطبيقها لامتصاص غضب الجماهير. فهذه الإصلاحات الرامية إلي فرض مزيد من القيود علي نشاط البنوك وقدرتها علي تفادي المخاطر والحد من الأرباح الخيالية والحوافز التي يحصل عليها قيادات هذه البنوك يمكن في رأي هؤلاء أن تؤثر في النمو الاقتصادي العالمي وتبطئ من فرص الانتعاش وتوفير فرص عمل. وقد كان واضحا أن فجوة الثقة في القطاع المالي لا تزال متسعة. ولا يشك أحد في أن أداء الاقتصاد العالمي قد تحسن بشكل ملحوظ مقارنة بالعام الماضي. وقد دعم ذلك خلال المؤتمر ظهور بيانات الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي والذي حقق معدلات خلال الربع الأخير بنحو5.7% وهي الأعلي خلال السنوات الست الماضية كما أظهرت بيانات بريطانية خروج الاقتصاد البريطاني لأول مرة من الركود الذي أصابه منذ الأزمة العالمية ليصبح آخر إاقتصاد من الدول المتقدمة يخرج من هذه الدائرة السلبية. ولكن المشاكل لا تزال قائمة آخرها أزمة عجز الموازنة العامة في الاقتصاد اليوناني والتخوف من عدم قدرتها علي حل هذه المشكلة منفردة مما يستتبع حصولها علي دعم ومساندة من الاتحاد الاوروبي. وقد سيطر هذا التخوف علي الاسواق العالمية خلال الأسبوعين الماضيين ولم تفلح محاولات رئيس الوزراء اليوناني والمسئولين الأوروبيين في منتدي دافوس في طمأنة المستثمرين. كما لا تزال البطالة مشكلة مؤرقة حول العالم حتي أن مستشار الرئيس الأمريكي للشئون الاقتصادية لاري سامرز قال خلال المنتدي إن العالم قد خرج من الركود علي الورق من خلال البيانات الإحصائية ولكن الركود لا يزال موجودا علي المستوي الإنساني.. بمعني أن البطالة وتدهور المؤشرات الاجتماعية هما أصحاب التأثير الأكبر في العالم حتي الآن. وقد خطف الملياردير الأمريكي بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت العالمية وزوجته الاضواء في المنتدي حينما أعلنا أن منظمتهما الخيرية تتبرع بمبلغ10 مليارات دولار لتوفير التطعيم لإفريقيا خلال العقد القادم مساهمة في تخليص القارة من الأمراض المزمنة التي تحد من فرص خروج القارة من الفقر وتحسين مستوي المعيشة بهذه الدول. وقد كان هذا التبرع وهو الأعلي في تاريخ التبرعات الإنسانية بمثابة إحراج لأغني أغنياء العالم المجتمعين في دافوس الذين يسعون إلي الحفاظ علي مصالحهم. الحاجة إلي التغيير واضحة وملحة.. ولكن سوف يحتاج العالم إلي فترة جديدة من الأفكار والتفاعلات لحين التوصل إلي نظام يمنح مزيد من العدالة والاستقرار للنمو والتقدم.