سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بعد أن أصبحت استراتيجية النمو التصديري في الأسواق الناشئة مصدرا للكوارث
التدخل الحكومي واتفاق حكومات العالم شرطان للخروج الحقيقي من الأزمة الاقتصادية الراهنة
من المعروف أن كمية الانتاج تتوقف علي الحجم المتاح من قوة العمل ورأس المال إلي جانب البراعة والابداع في استخدام هذه الموارد. ومن بين هذه العناصر الثلاثة تتميز البراعة والابداع بأنها العنصر المهم علي الاطلاق. ويذكر البحث الذي اعده روبرت سولو عام 1957 واهله للحصول علي جائزة نوبل أن عنصر البراعة والابداع هو السبب في 88% من الزيادة التي طرأت علي انتاجية الانسان في الساعة الاربعية في سنة المحتدة بين عام 1909 وعام 1949 وقد اطلق سولو علي هذا العنصر اسم "التغير التقني" وهو اسم جامع أو بالاحري مصطلح جامع ينطوي تحت لوائه كل شيء يؤدي إلي زيادة المخرجات أو الانتاج من نفس الكمية من المدخلات من قوة العمل ورأس المال أي أنه يضم المخترعات الخارقة مثل ماكينة الاحتراق الداخلي أو أي تحسين يطرأ علي تنظيم عملية الانتاج مثل ابتكار فكرة خطوط الانتاج وهكذا.. تقول مجلة "الايكونوميست" إن سولو عبر عن تفاؤله خلال مؤتمر عقد في شهر ابريل الماضي بأن "التغير التقني" سوف يستمر في تقدمه بالرغم من الازمة الاقتصادية العالمية الراهنة. وقال إن هذا المحدد الاساسي للنمو في الانتاج لم يتدهور ابدا في أي وقت ومن جانبه قال محمد العربان رئيس بيمكو في ذات المؤتمر ان القوي الدافعة لزيادة الانتاجية والجرأة في تحمل المخاطر هي أمور لن تختفي ابدا وإن كانت كثير من الشركات المسئولة عن احداث هذا "التغير التقني" تبدو اقل انتعاشا في الوقت الحاضر ويذكر مسح اجرته مكنزي أخيرا وشمل 500 شركة كبري أن 34% من هذه الشركات ستخفض اتفاقها علي الابحاث والتطوير R&D وهذا معناه ان الابحاث والتطوير رغم دورها الحاسم في التقدم الانساني هي الحائط المائل الذي يجار عليه دائما.. وفي حين يتراجع اتفاق الشركات الكبري علي الابحاث والتطوير نجد أن الاستثمار يتراجع أيضا في إنشاء الشركات الجديدة والمبتكرة إن لم يكن ينهار. ونحن نعرف من صمويل كورتوم الاستاذ بجامعة ميتسوتا وجوش ليرنر الاستاذ في كلية تجارة هارفارد أن كل دولار من رأس المال المخاطر ينتج من المبتكرات التطبيقية ثلاثة أضعاف ما ينتجه الدولار من الانفاق علي الابحاث والتطوير. ومع ذلك فان انفاق رأس المال المخاطر في أمريكا هبط 51% في الربع الثاني من هذا العام عما كان عليه في نفس الربع من العام السابق. ان الاقتصادات الكبري مثل الاقتصاد الامريكي تتقدم عن طريق ابتكار منتجات جديدة وأساليب تقنية جديدة اما البلدان النامية فانها تنمو عن طريق محاكاة هذه الابتكارات أو بالدقة تمثل استيعاب وامتصاص خدمة ومهارة الاخرين.. ولذك فان الاقتصادات النامية يمكن أن تواصل تقدمها حتي لو تباطأت سرعة تيار الابتكار لأنه سيكون هناك دائما مخزون من المعرفة تستطيع ان تنهل منه. ومن هنا فإن تأثير الازمة الراهنة علي البلدان النامية سيكون محدودا ولكن مثل هذا الاستنتاج قد يبدو متعجلا جدا. وفي هذا الشأن تقول مجلة "الايكونوميست" ان البلدان النامية تتعلم بانشاء الصناعات القادرة علي انتاج سلع قابلة للبيع في اسواق العالم. وهذه الصناعات تتيج امكانية واسعة للتقدم والاستفادة من ميزات التخصص وتقسيم العمل بسبب ضخامة اسواق العالم. وأي حكومة في العالم الناس يمكنها دائما دفع وتنشيط عملية التعلم هذه عن طريق الابقاء علي عملتها رخيصة وهي مسألة تسهل التصدير للخارج وتعزز مكاسب الشركات وقدرتها علي المنافسة وتصنع استراتيجية ناجحة للنمو المعتمد علي التصدير، كتب عنها الكثير من الاقتصاديين الثقاة. ولكن العملات الرخيصة لسوء الحظ لا تشجع علي استهلاك السلع المستوردة لانها تجعل أسعارها اغلي بالنسبة للمستهلك المحلي وينتج عن هذا ما يسمي "الفائض التجاري" الذي يمكن ان يتضخم ويخروج عن الحد. وقد حدث هذا بالفعل حتي أن الخبراء قبل الازمة الراهنة قد نبهوا إلي أن "الفائض التجاري" المتراكم لصالح الدول التي تعتمد علي استراتيجية النمو التصديري قد تجاوز حجمه قدرة الاقتصادات الغنية وخاصة أمريكا علي أن تستوعب من دون مشاكل. ولذلك فان الدول الغنية تحاول علاج الازمة الراهنة دون جدوي متهمة دول استراتيجية النمو التصديري بالمضاربة بالعملة واتباع سياسات "مركنتيلية" تستهدف تعزيز ثراوتها علي حساب الاخرين وانشاء احتكارات تجارية خارجية، وباختصار أيضا يري بعض الخبراء أن الحل يمكن في تغيير السياسة الصناعية. فالبلدان النامية عليها اتباع سياسة صناعية تقلل من حجم القطاع التصديري ودفع نخبتها المالية الاقتصادية إلي محاكاة رأس المال المخاطر الامريكي والدول المتقدمة وبالذات أمريكا عليها أن تسمح بالتدخل الحكومي علي غرار ما هو حادث الآن وأن تتخلي عند ذلك التناقض المفتعل بين الحكومة وبين الحرية الرأسمالية وتؤمن بأن البيروقراطية يمكن أن تعاون رأس المال المخاطر ان تعرقله ولحل مشكلة الاحتياطيات و"الفائض التجاري" الزائد علي الحد يتعين علي البلدان النامية وبنوكها المركزية الكف عن شراء الدولار بهذا القدر من النهم ان تكتفي بما يؤمن وضعها المالي دون اشراف ويتعين علي أمريكا أيضا ان تكف عن الاقتراض وان تتجه إلي سياسة توازن بدقة بين التصدير والاستهلاك والاستثمار ويشترط الخبراء ان يتم ذلك كله عن طريق الاتفاق بين الحكومات وليس عن طريق اجبار أي طرف علي اتباع ما لا يريد اتباعه من سياسات. فأجبار الدول النامية علي رفع سعر عملتها علي سبيل المثال سيدفعها إلي اتباع سياسات وقائية قد تكون لها عواقب اخري غير مواتية وهكذا فان الاتفاق الطوعي بين دول العالم هو الطريق الوحيد للنجاة كليا من الازمة العالمية الراهنة.