* حينما يكتب مؤرخو المستقبل تاريخ منطقتنا فإنهم سيتوقفون طويلا أمام ما جري في الواحدة ظهرا بتوقيت جرينيتش في لاهاي بهولندا يوم الاربعاء 4/3/،2009 إنه مؤتمر صحفي، جري تجهيز الكاميرات والميكروفونات ووكالات الأنباء ووقت محجوز بالأقمار الصناعية بهدف تصوير المؤتمر وتصديره فورا إلي العالم العربي تحديدا، والعالم الثالث تعميما، لقد أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية" مذكرة تأمر فيها باعتقال عمر حسن البشير رئيس السودان، ليمثل أمامها متهما بارتكاب سبع جرائم حرب وقتل ضد الإنسانية في إقليم دارفور بالسودان. * ليست المسألة هي: هل توجد جرائم في إقليم دارفور بالسودان أم لا توجد؟ توجد جرائم. ولا المسألة هي: هل أخطأ النظام السوداني في التعامل مع ملف دارفور، وقبله ملف الجنوب، أم لم يخطئ؟ النظام السوداني أخطأ. كذلك ليست المسألة: هل تتحرك المحكمة الجنائية الدولية بدافع من العدالة أو السياسة؟ المحكمة دافعها سياسي. وإذا كانت المحكمة تزعم أن هدفها وقف الجرائم الجارية في دارفور لكي تتم تسوية النزاع سلميا فإن إصدارها مذكرة باعتقال الرئيس السوداني يوقف تسوية النزاع سلميا ويجعل المتمردين أكثر استئسادا علي أهالي دارفور استقواء بما فعلته المحكمة. * المقدمات كانت واضحة، فأسوأ ما في الأزمة السودانية الحالية هو أنها لم تهبط علي السودان والعالم العربي فجأة في ليلة عاصفة كانت نذر العاصفة واضحة ومدوية منذ البداية أمام كل عين تري ومسئول يتدبر العواقب، وفي النظم السياسة فإن أبسط وأهم مسئولياتها علي الاطلاق هو المحافظة علي وحدة الشعب وتكامل أراضيه، وحينما جري انقلاب عسكري في السودان في سنة 1989 قال قادته إنهم فعلوا ذلك بالضبط لحماية شعب السودان ووحدة أراضيه. الملف السوداني هنا يطول، لكن لو حصرنا أنفسنا فقط في أزمة إقليم دارفور فإن عناصر الأزمة بدأت من مشكلة محلية بالأساس، مشكلة نقص موارد المياه في إقليم دارفور والصراع عليها بين الزراع والرعاة. تلك بداية مقالات الراحل محمود عوض عن السودان والتي مازالت موجودة علي الموقع الالكتروني بجريدة اليوم السابع. ويقول محمود عوض عن كتابه "أفكار ضد الرصاص". انني استطيع أن أعطيك قلبي.. فأصبح عاشقا أعطيك طعامي.. فأصبح جائعا.. أعطيك ثروتي.. فأصبح فقيرا اعطيك عمري فأصبح ذكري. ولكنني لا أستطيع أن أعطيك حريتي. إن حريتي هي دمي. هي عقلي هي خبز حياتي إنني لو أعطيتك إياها فانني أصبح شيئا له ماض.. وليس أمامه مستقبل بهذا المنطق يناقش محمود عوض في هذا الكتاب أربع قضايا.. وقف فيها طه حسين وقاسم أمين وعلي عبدالرازق. وعبدالرحمن الكواكبي بمفردهم.. ضد مجتمع بأكمله. لقد قال كل منهم كلمته.. ثم وقف بعدها يدافع عنها ويدفع ثمنها لسنوات طويلة من عمره. ..والقضية في كل مرة هي: حرية الرأي. لقد دافع محمود عوض عن حرية الصحافة والصحفيين ويستحق تخصيص جائزة باسمه ربنا يرحمه ويرحمنا.