لاشك أن التصريحات التي أدلي بها فاروق قدومي "أبو اللطف" رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأمين سر حركة فتح قد أحدثت صدمة في أوساط الحركة إن لم يكن شرخا كبيرا في جدرانها في لحظات ما أحوج ما تكون فيها الحركة إلي التماسك والوحدة قبل انعقاد مؤتمرها السادس في الرابع من الشهر المقبل، وبعد طول غياب دام لأكثر من عشرين عاما، عانت خلالها الحركة من صراعات وتجاذبات واتهامات بالفساد، والاستحواذ علي السلطة.. الخ قائمة طويلة لا تنتهي وكادت أن تعصف بتاريخ الحركة، في وقت تتلمس فيه فتح طريقها لتنهض من حالة التفكك التي أصابتها خاصة بعد سيطرة حركة حماس علي غزة قبل أكثر من عامين، وفرض سيطرتها علي القطاع الأمر الذي أضعف سطوة فتح وقوتها هناك. لا يمكن الجزم بالدوافع التي حدت ب"أبو اللطف" لاطلاق مثل هذه التصريحات في هذا التوقيت بالذات، رغم الرد السريع والفوري الذي جاء علي لسان ممثلي حركة فتح تتهم فيها أبو اللطف برواية الأكاذيب وتلفيق الاتهامات بهدف تعطيل المؤتمر السادس للحركة، لكن الذي يمكن حسمه هو حجم الخلافات الواضحة بين محمود عباس "أبو مازن" وبين أبو اللطف منذ وفاة الرئيس ياسر عرفات وتزايده في السنوات الأخيرة بسبب سحب صلاحيات كثيرة من يد القدومي بالاضافة إلي الخلافات المنهجية حول طريقة العمل داخل السلطة وحركة فتح علي حد سواء، والانتقادات المتكررة والمستمرة التي يطلقها أبو اللطف حول أداء الرئيس عباس في جميع القضايا، مما عكر الاجواء بين الرجلين بشكل واضح في السنوات الأخيرة خاصة بعد سيطرة حركة حماس علي غزة ومهاجمة أبواللطف للسلطة والرئيس عباس علانية دون أن يكون ذا توجه واضح في هذا الصدد مع أو ضد "الانقلاب". الخطير في الموضوع هو اطلاق هذه التصريحات قبل نحو ثلاثة أسابيع من موعد عقد مؤتمر فتح السادس مما سمم الأجواء داخل الحركة التي تشهد حالة حراك غير مسبوقة ينشط فيها قياديو فتح الذين ينوون ترشيح أنفسهم لعضوية المجلس الثوري واللجنة المركزية، وفي بعض الأحيان تصل هذه الحماسة في حالة الحراك إلي صراع حقيقي يدور بين تيارين واحد وطني والآخر ليس وطنيا علي حد تعبير مصادر مقربة من مفوض التعبئة والتنظيم أحمد قريع "أبوعلاء". هل يمكن أن تؤثر هذه التصريحات علي أجواء المؤتمر؟ وهل يمكن أن تؤدي إلي انقسام أعضائها بعضهم علي بعض؟! فما صدر عن القدومي من تصريحات سيدرس في اللجنة التنفيذية وربما تسحب الدائرة السياسية من القدومي وربما يتم تجميده، رغم أن قرارا كهذا يحتاج إلي ثلثي أصوات مركزية فتح من أجل تجميد عضويته، إذ أن هناك احتمالا قويا أن يتساوق أعضاء اللجنة التنفيذية مع رغبات أبومازن خصوصا أنه ذاهب بقوة نحو تقوية فتح في الداخل والقضاء عليها في الخارج "أي علي معارضين في اللجنة المركزية". وأيا كانت الأسباب التي دفعت أبواللطف للادلاء بمثل هذه التصريحات في هذا التوقيت فإن آثارها الجانبية كانت عميقة لدرجة اعتبر فيها المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية السفير حسام زكي هذه التصريحات في حق الرئيس أبومازن تدعو للانزعاج خاصة من ناحية توقيتها، الذي يضر بالوحدة الفلسطينية ولا ينفعها، في الوقت الذي تسعي فيه مصر بكل السبل إلي رأب الصدع بين الفلسطينيين من خلال جولات الحوار التي ترعاها القاهرة منذ فترة طويلة، ومن المفترض أن تتوج جولات الحوار هذه بالتوقيع علي اتفاق مصالحة وطنية نهاية الشهر الجاري، إلا أن أجواء التشاؤم التي سادت اللقاء المصغر بين وفدي حركتي فتح وحماس أدت إلي فشل الجلسة الأولي منه الأمر الذي قد يؤجل جولة الحوار المقبلة، المؤشرات الظاهرة حتي الآن مما يجري علي صعيد ساحة الحوار بين الفصائل تشير إلي أن ممثلي فتح وحماس يتوجهون للقاهرة وهم يدركون أنه لا يوجد أمل في أن يسفر هذا اللقاء عن اختراق حقيقي يقود لانهاء حالة الانقسام، بل يتوجهون للقاهرة فقط لرفع العتب حتي لا يتحمل أحدهما لوم الفشل، وأيضا تحت طائل الضغط الكبير الذي تمارسه مصر. أما علي صعيد انعقاد مؤتمر فتح السادس أوائل الشهر المقبل فإنه أيضا يواجه عقبتين أساسيتين أولهما: رفض حماس السماح بخروج أعضاء فتح "أكثر من 400 عضو من أصل 1550"، وثانيتهما: رفض السلطات الإسرائيلية منح التصاريح اللازمة للأعضاء من الساحات الخارجية، هذا فضلا عن التصريحات القنبلة التي فجرها فاروق القدومي باتهام الرئيس محمود عباس بالتورط في اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، وما استتبع ذلك من تداعيات خطيرة داخل صفوف حركة فتح بشكل خاص، والفلسطينيين بشكل عام. وفي ذروة غياب النضج والوعي الفلسطيني، وعدم قدرته علي إدراك الحقائق التي تتبلور من حوله يحاول بنيامين نتنياهو طرح خطة جديدة لإقامة دولة فلسطينية مؤقتة علي 80% من الضفة الغربية من دون القدس واللاجئين، بزعم غياب قيادة موحدة في الطرف الفلسطيني يمكن الاعتماد عليها في المفاوضات! فهل يدرك الفلسطينيون ما هم مقبلون عليه؟! أم أن أوان الفهم قد غاب عنهم للأبد!!.