رغم الضغوط الأمريكية علي إسرائيل لوقف البناء في المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومطالبة اللجنة الرباعية الدولية خلال اجتماعها الأول في إيطاليا بعد تولي الرئيس الأمريكي باراك أوباما منصبه إسرائيل بوقف الاستيطان وفتح المعابر الحدودية، جاء قرار وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك متحديا وضارباً عرض الحائط بكل المحظورات حينما صادق علي بناء 300 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة تابعة للتكتل الاستيطاني "بنيامين" غرب مدينة رام الله في الضفة الغربية. وكما هو المتوقع، فقد شهدت الفترة السابقة حالة ازدهار في النشاط الاستيطاني خاصة في عهد الحكومة السابقة برئاسة إيهود أولمرت وبمصادقة باراك زعيم حزب العمل المحسوب علي معسكر السلام في إسرائيل. باراك الذي زار القاهرة بعد أيام قليلة من خطاب نتنياهو قالها صراحة بأنه يتحفظ هو وحكومته علي الرؤية الأمريكية حول الاستيطان، وكان قد جاء بحثا عن إمكانية التوصل لتسوية مرضية مع الفلسطينيين رغم أنه بدا متمسكا بموقفه من الاستيطان ويهودية دولة إسرائيل، وفسر السلام علي النحو الذي أراده وباللغة التي يفهمها شعبه خاصة حينما اعتبر أن منطقة الشرق الأوسط أمامها فرصة مهمة للغاية لتحقيق مبادرات السلام الإقليمية التي طرحها الرئيس الأمريكي باراك أوباما. ولم تكتف إسرائيل بتسويق مخططاتها الاستيطانية علي هذا النحو فقط، بل قامت الحكومة بحسب إعلان إذاعة الجيش الإسرائيلي بتخصيص 250 مليون دولار لمستوطنات الضفة الغربية علي الرغم من الضغوط المتواصلة من قبل الرئيس أوباما من أجل تجميد الاستيطان. وأكد تقرير أمريكي رسمي أن عدد المستوطنين اليهود الذين يقطنون الضفة الغربية زاد خلال الأعوام السبعة الأخيرة بنسبة 32%، وكان مسئولون في الإدارة الأمريكية قد عبروا لنظرائهم الإسرائيليين بأنهم لا يولون أهمية لتعهدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تعهد في خطابه الأخير أنه لن يبني مستوطنات جديدة ولن يصادر أراضي جديدة من أجل الاستيطان، وأعاد المسئولون الأمريكيون للأذهان حقيقة أن نتنياهو سبق أن قطع علي نفسه تعهدات مماثلة عام 1996 عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء، ونوه التقرير إلي أن إسرائيل صادرت مليون دونم من الأراضي الفلسطينية منذ عام ،1980 وهو ما يشكل 16% من مساحة الضفة الغربية، كما أكد التقرير أن المستوطنات تقوم علي 9% من مساحة الأراضي التي صودرت من أجلها، الأمر الذي يعني أن إسرائيل ليست في حاجة لمصادرة أراض جديدة من أجل إقامة مستوطنات جديدة، بل إن المستوطنات بإمكانها إعادة 91% من الأراضي المصادرة إلي أصحابها الفلسطينيين فوراً، وبلا تأجيل. لهذا السبب تصر إدارة الرئيس أوباما علي تجميد البناء الاستيطاني بالكامل والاستعداد لإخلاء معظم المستوطنات في إطار التسوية الدائمة. وإن كانت هذه رغبة نتنياهو الحقيقية أيضا، وهي عن قناعة أيديولوجية راسخة في ذهنه بأن الاستيطان واستمراره يكرس حقيقة الوجود الإسرائيلي ويثبت حدود الدولة العبرية الكبري واستمراريتها، إلا أن هناك إجماعاً في إسرائيل علي أن الهم الأول الذي يشغل بال رئيس الوزراء نتنياهو اليوم ويصرف من أجله جل وقته ويكرس له كل سياسته هو البقاء رئيساً للحكومة ومنع تكرار التجربة السابقة له عندما أسقط عن الحكم في عام 1999. في حينه تحالف ضده كثيرون، فالرئيس الأمريكي بيل كلينتون رأي فيه عقبة في طريق السلام، وقرر تخفيض المساعدات الأمريكية لإسرائيل، وأدار اليمين الإسرائيلي الذي كان عمليا المعسكر الذي قاده نتنياهو ظهره له واعتبره خائنا بسبب انسحابه من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، واعتبره اليسار منافقاً، أما الإعلام الإسرائيلي فلم يحترمه واتهمه دائما بالكذب والتلون واللف والدوران. اليوم يسعي نتنياهو لتغيير صورته لدي الجميع رغم الصعوبات الناجمة عن تركيبة شخصيته، وتركيبة ائتلافه والتناقضات التي وضع نفسه فيها. كل هذه الأمور لم تخف علي الأمريكيين، وهم من جانبهم يحاولون إفهام نتنياهو أن شيئا جديدا حصل في البيت الأبيض، وأن ما كان في الماضي ممكنا ومسموحا، مثل التعهد بشيء وعمل نقيضه، لم يعد ممكنا ولا مسموحا به ولا قدرة علي احتماله. لذا فإن نتنياهو هذه الأيام لا يكتفي بالكلام، بل هو يدير مفاوضات من وراء الكواليس مع شاؤول موفاز الرجل الثاني في كاديما حتي ينسلخ عن حزبه ويعود إلي الليكود. كما طلب نتنياهو تعديل القانون بحيث يصبح ممكنا لسبعة نواب أن يتركوا حزبهم وينضموا إلي حزب آخر خصيصا علي مقاس موفاز ومجموعته، وهو يستهدف بذلك ضم موفاز ورفاقه الستة ليضرب عصفورين بحجر واحد، تفكيك الحزب المنافس "كاديما" حتي لا تعود له قائمة ولا يستطيع منافسته خلال الدورة الحالية من جهة، ومن جهة أخري تعزيز قوة ائتلافه الحاكم في حال انسلاخ حزب يميني من هذا الائتلاف. لكن كل هذه السبل الاحترازية لا تكفي لمواجهة الضغط الأمريكي علي نتنياهو وهي تنفع فقط إذا رضخ لهذا الضغط، ووافق علي طروحات يرفضها اليمين المتطرف الذي يسعي اليوم بكل السبل لعدم السماح بسقوط حكومة اليمين فهي بالنسبة لهم أفضل من حكومة وسط ويسار!!