في تقريرين منفصلين صدرا مؤخرا عن وكالة الطاقة الدولية، جاء ذكر سورية وإيران كدولتين مخالفتين لاتفاقات حظر انتشار الأسلحة النووية. بالنسبة لسورية ورد في أحد التقريرين ما يشير رلي العثور علي آثار يورانيوم من صنع بشري، ولم يعلن عنها من قبل، في موقع ثان في منشأة في العاصمة السورية دمشق". وكما يبدو فإن الوكالة كانت تحقق في مزاعم أمريكية تقول إن المنشأة السورية التي دمرتها (إسرائيل) في غارة جوية في العام 2007 كانت عبارة عن مفاعل نووي لم يكن قد جري تشغيله بعد". أما بالنسبة لتقرير إيران، تري الوكالة أن طهران تمتلك اليوم "نحو 7 آلاف جهاز طرد مركزي تستخدم لتخصيب اليورانيوم، وبأن طهران تقوم بتشغيل نحو 5 آلاف منها". من يتابع تقارير الوكالة الدولية، وعلي وجه الخصوص تلك المتعلقة بإيران وسورية، يكتشف الكثير من التناقضات التي تشوبها. ففي خضم الحديث عن تجاوز الدولتين للاتفاقات الدولية المتعلقة بحظر الأسلحة النووية، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب) تصريح مسئول قريب من الوكالة يؤكد فيه "أن الوكالة لم تحقق أي تقدم في تحقيقاتها بشأن وجود نشاطات نووية غير شرعية في إيران وسورية". لكن المسئول ذاته يعود كي يتراجع عن ذلك، مشيرا إلي أنه "بشأن إيران، هناك تقدم طفيف جدا. والأمر نفسه ينطبق علي سورية". تقرير آخر تقول وكالة الصحافة الفرنسية، إنها حصلت علي نسخة منه، وأنه سيوزع الأسبوع المقبل علي الدول الأعضاء، يذهب إلي القول "إن إيران مازالت تتحدي مجلس الأمن الدولي وتمكنت من جمع 1339 كلج من هكسافلورايد اليورانيوم (سداسي فلورايد اليورانيوم) (يو اف 6) القليل التخصيب. ليست هناك حاجة للخوض في مناقشة تفاصيل ما جاء في تقارير الوكالة، فقد يحتاج الأمر إلي الكثير من أدوات الفحص والتدقيق المتعذر توافرها لدي دول نامية كثيرة من بينها سورية وإيران. لكن ما ينبغي التأكيد عليه، وهو حقيقة مهمة، تلك هي استحالة حيادية هذه الوكالات عند معالجتها قضايا دولية من مستوي "الأسلحة النووية وانتشارها". ذلك أنه مهما حاولت مثل هذه الهيئات الدولية الالتزام بالموضوعية والعلمية، والابتعاد، قدر المستطاع، عن التحيز السياسي، لكن تبقي قراراتها، في نهاية المطاف رهينة، إلي حد بعيد، لموازين القوي الدولية واتجاهات وموازين الصراع القائم بين تلك القوي. فليست هناك موضوعية مطلقة بالمعني الأفلاطوني المثالي لمفهوم الموضوعية. وأقرب مثال حي قريب من أذهاننا نحن العرب، قرارات مجلس الأمن، فيما يتعلق بقضايا الصراع العربي - الإسرائيلي. لذا يكتسب تصريح الوكالة الدولية أهميته الخاصة لعدة أسباب من بين أهمها وأكثرها تأثيرا: 1- خطاب أوباما الذي ألقاه في جامعة القاهرة مخاطبا الدول الإسلامية، والتي من بينها سورية وإيران، مما حمله ذلك الخطاب، من تلميحات إيجابية، حملت دعوات، نأمل أن تكون صادقة، من واشنطن لدول الكتلة الإسلامية، التي يفترض أن تكون سورية وإيران من بينها. ومن الطبيعي أن تشم العاصمتان: دمش وطهران، رائحة الضغوط الأمريكية، إن لم نقل الإسرائيلية، تفوح من بين صفحات التقريرين. ومن هنا فإن ممارسة المزيد من الضغوط عليها، وفي هذه المرحلة بالذات، قد يشكل بعض التراجع عن "الدعوات الأوبامية". وبالتالي يعيد الحلول السلمية المطروحة علي بساط البحث إلي خاناتها الأولي. 2- الانتخابات اللبنانية، ولم تتحقق احتمالات فوز مرشحي، أو حلفاء حزب الله علي سواهم، الأمر الذي كان يهدد، في حال توتر العلاقات بين أي من العاصمتين وواشنطن، بإقدام الحزب علي ممارسات من شأنها إرغام الجميع علي إعادة خلط الأوراق. قد تبدو العلاقة بعيدة بعض الشيء، لكن لدي حزب الله حتي وقتنا هذا الكثير من الأوراق اللبنانية والشرق أوسطية التي بإمكانه أن يلعبها في حالة وصول أي من الدولتين: إيران وسورية إلي طريق مسدود في خريطة العلاقات الدولية الخاصة بالشرق الأوسط جراء ممارسة ضغوط عليها من خلال مؤسسات دولية مثل وكالة الطاقة الدولية. 3- الحالة الإسرائيلية المنهكة عسكريا والمحاصرة سياسيا التي تجعل من إسرائيل في المرحلة الراهنة دولة ثانوية في خريطة التحالفات الدولية في المنطقة غير قادرة علي الاحتفاظ بمواقع المحظية الأمريكية الأولي كما كانت عليه حتي ولاية بوش الاخيرة. هذا الأمر قد يدفع ب "إسرائيل" إلي استخدام كل أوراق الضغط التي تملكها من أجل دفع الوكالة الدولية إلي حصر إيرانودمشق في زاوية مطوقة، تضطر حينها إحداهما أو كلتاهما إلي الإقدام علي خطوة مغامرة تفتح أمام "اسرائيل" الأبواب الواسعة التي تدخل منها لاستعادة مواقعها المتقدمة في قائمة دول الصراع الشرق أوسطي. ولكن ما موقف أمريكا من إسرائيل بعد خطاب نتنياهو الأخير؟!.. منطق الأمور يقول: إن الكثير من أوراق النفوذ في الوكالة الدولية للطاقة لا يزال بحوزة الولاياتالمتحدة وهي الدول الاكثر قدرة في هذه المرحلة علي تأجيج أو تخفيف حدة الصراع وبالتالي فسوف يجد الرئيس الأمريكي باراك أوباما نفسه أمام خيارين سيحددكل منهما مسار العلاقات الدولية في منطقة الشرق الأوسط: الأول ذلك النهج الذي سارت عليه الإدارة الأمريكية أبان الحقبة "البوشية" والقائمة علي تأجيل الصراع، تلبية لاحتياجات دول مثل "إسرائيل" ونزولا عند مصالح احتكارات معينة مثل احتكارات الصناعة الحربية وهذا الامر سيواصل وضع واشنطن في خانة القوي المنحازة ل "اسرائيل" والمعادية لدول المنطقة: الخيار الثاني، والذي بدأ السير فيه أوباما والقائم علي امتصاص اسباب الصراع، وتهدئة عناصر تصعيده وصولا إلي حلول سلمية بشأنها. المواطن في الشرق الأوسط، يأمل أن يواصل أوباما مسيرته "المهدئة" من أجل تحويل منطقة الشرق الأوسط إلي منطقة خالية من كل أشكال النزاعات، وحينها فقط ستنتفي الحاجة والمبررات لتطوير أي شكل من أشكال التسلح بما فيها السلاح النووي. فهل يحسن أوباما استخدام الأوراق التي بين يديه بالمهارة التي يحتاجها نزع فتيل الصراعات في المنطقة؟